ربما لا يعرف كثيرون عن سبب ارتباط بين شهر رمضان والدراما والأعمال الدرامية، خاصة المسلسلات، لكن الأمر قديم ويعود إلى عقود، ربما قبل ظهور التليفزيون، فى عصر الإذاعة التى كانت أول وأهم أدوات التواصل والتثقيف والتشويق والتسلية، فى شهر رمضان وفى باقى شهور السنة، فقد كان مسلسل الخامسة والربع، علامة من علامات الإذاعة التى ظلت سنوات وفرضت نفسها لدى ذكريات ونوستالجيا الأجيال التى عاصرت الإذاعة فقط، لكنها أكثر مع من عاصروا التليفزيون فى بداياته وأيضا فى استمراريته والتطورات التى ظهرت على عالم الدراما ونقلت الأمر من عالم خيالات «ألف ليلة وليلة» إلى صورة الأبيض والأسود ثم الألوان.
فى رمضان ظهرت أول فوازير إذاعية، ثم ألف ليلة وليلة التى شكلت عالما من الخيال والتشويق، وتطور الأمر مع التليفزيون وارتبطت الفوازير والدراما والإعلانات بشهر رمضان، خاصة فى أيام الجوائز وغيرها، ثم توالت الأعمال الدرامية الكبرى التى ما زالت تمثل تراثا عظيما من الأعمال الدرامية الكبرى، وعلى رأسها أعمال أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ومحمد صفاء عامر ومحفوظ عبدالرحمن ومحمد جلال عبدالقوى، ظهرت أعمال مثل «الشهد والدموع، ليالى الحلمية، رأفت الهجان، بوابة الحلوانى، المال والبنون، ذئاب الجبل»، إلى آخر القائمة من الأعمال الكبرى، وظلت هذه الأعمال تفرض نفسها وتمثل تراثا دائما وإن كانت ظهرت فى رمضان فقد استمرت الفرجة عليها طوال العام.
وظلت هذه الأعمال تمثل بجانب كونها جزءا من تمضية وقت ما بعد الإفطار، ومع تطورات أشكال وأنواع الأدوات والتقنيات تطورت عملية إنتاج وتوزيع وتسويق الترفيه عموما، والدراما بشكل خاص، خاصة مع التطورات فى عالم الإنترنت ومنصات البث والفرجة، التى تجاوزت الواجهات الطبيعية للعرض، السينما ثم التليفزيون، والآن صارت المنتجات تتداخل وتتقاطع مع زحام العالم المختلفة والمنافسة لم تعد إقليمية فقط لكنها منافسة وفرجة عالمية، وبالتالى فالأمر يدخل فى صناعة ثقيلة.
من هنا تأتى أهمية ما تقدمه الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التى تجاوزت كونها جهة إنتاج إعلامى أو ترفيهى، لكنها كيان شامل قادر على العمل بأدوات العصر، بل وإنتاج أعمال بشكل احترافى وإنتاج ضخم يحمل بجانب التشويق رسائل ويتعامل مع عالم تتداخل فيه الثقافة مع الوعى، وتتنافس فيه الأفكار لتعبر الإقليمية إلى منافسة أوسع.
والواقع أن «المتحدة للخدمات الإعلامية» لا تقصر إنتاجها على موسم أو شهر رمضان، لكنها تقدم طوال أشهر السنة أعمالا تحمل عناصر النجاح، وخلال الأشهر السابقة ظهرت أعمال مثل «حالة خاصة، صوت وصورة، بينا معاد، بالطو، زينهم، حدوتة منسية» وغيرها، وهى أعمال لا تعتمد على نجم واحد ولكنها تقدم مواهب شابة تصنع علامات فى عالم الدراما، بجانب أنها تسعى لإنتاج أعمال تنافس وسط تزاحم المنصات، وتمثل عامل جذب لأجيال شابة، فضلا عن أن أغلب هذه الأعمال أنهت عصر الحلقات الطويلة والكثيرة التى تتجاوز الموضوع إلى نوع من التجارة المملة، وهناك أكثر من نص أدبى تم الانتباه له، ومنها إعادة إنتاج إمبراطورية ميم، بشكل عصرى وجديد، يناسب التطور فى الشكل والمضمون.
«المتحدة» قدمت ولا تزال تنتج أعمالا يمكنها الصمود فى ظل منافسة واسعة، بجانب أن بعضها يتعامل مع موضوعات تمثل توثيقا مهما لأحداث وشخصيات تاريخية، وعلى سبيل المثال فإن موسم رمضان هذا العام يشهد أعمالا كبرى مثل «الحشاشين»، الذى يقدم دراما توثق لعالم واحدة من أخطر الجماعات العقائدية المتطرفة التى كانت قاعدة لإنتاج تنظيمات إرهابية على مر العصور، خاصة ربط العقيدة بالسياسة بالانتقام والجريمة المنظمة.
بالطبع فإن الدراما التاريخية فى حد ذاتها مهمة، لكنها يفترض أن تقدم بشكل يحمل التشويق والتدقيق، وهنا فإن العمل يقدم على طريقة الدراما المصرية بكل تراثها وقدراتها، التى طالبنا على مدى عقود بتنشيطها وإحيائها، وبجانب التاريخى لدينا أنواع وأشكال من الأعمال المتعددة، الشعبى والكوميدى والعائلى، مع الأخذ فى الاعتبار أن الدراما ليست فقط منتجات المتحدة، لكن الوثائقية التى تلبى طموحات ومطالب كثيرة، دعت لحفظ الذاكرة.
هذا الموسم وما سبقه يعنى طريقا صحيحا حفرته «المتحدة»، يحمل القدرة على تنويع الأعمال والتعاون مع كل المنتجين، وإتاحة الفرصة لمواهب وأجيال، وإدارة المنافسة فى القنوات، وأيضا فى عالم المنصات.