تحل اليوم ذكرى ميلاد الشاعر الراحل نزار قباني الذى أثرى المكتبة العربية بدواوين حفرت اسمه عميقا في الذكرة إذ انتشر شعره على نطاق واسع لتميزه بالجرأة وخوض غمار الرومانسية والسياسة.
يقول عنه أحمد زكي أبو شادي في كتاب قضايا الشعر المعاصر "نِزار قبَّاني» ليس شاعرًا من شعراء الشباب الموهوبين في سوريا فحسب، بل أصبح يعد من أقطاب الغزل الفني الحسي في العالم العربي ولما يبلغْ نهاية العقد الثالث من عمره. وليس هذا بعجيب، فهو من أسرة اشتهرت بالأدب والفن كما اشتهرت بالوطنية، وحسبنا أن نشير إلى جده الفنان «أبي خليل القباني» أول من حمل لواء التمثيل المسرحي من بلاد الشام إلى وادي النيل، ومن هناك انعكست أضواء المسرح على سائر الأقطار العربية، كما نشير إلى والده «توفيق القباني» الوطني الغيور الذي اعتقل عدة مراتٍ ونفي إلى قلعة «تَدْمُر» إبان الاحتلال الفرنسي، وكانت دار القباني في «دمشق» مركزًا مهوبًا من مراكز الكتلة الوطنية!
وهكذا ورث نزار الملكة الفنية، كما أن نشأته في ذلك الوسط الوطني العريق أضافت إلى تعلقه بالشعر والأدب والموسيقى والتصوير منذ صباه؛ تعلُّقَه بوطنه وخدمته في المجال السياسي، وقد هيأه لذلك نيله درجة «أستاذ في الحقوق» من الجامعة السورية بدمشق فتدرج في خدمة وزارة الخارجية السورية.
وعلى الرغم من هذه الظروف المواتية، وعلى الرغم من شاعريته المبكرة التي دفعته إلى نظم ملحمةٍ شعرية سماها «دنيا الحروب» خلال دراسته الثانوية، وقد نالت تقريظًا في وقتها، لم يُعْنَ «نزار» حتى الآن بترجمة وطنيته ولا إنسانيته شعرًا، وإنما اقتصر على استلهام «الأنوثة» حسيًّا ومعنويًّا في تعابيرَ منوعةٍ: بعضها مكشوف وبعضها رمزي، وقد تجلت بها جميعًا الأناقة والرشاقة والتغني الموسيقي الخفيف الخاطف.
أصدر شاعرنا ديوانه الأول «قالت لي السمراء» عام ألف وتسعمائة وخمسةٍ وأربعين، ثم مجموعته الشعرية «ساميا» عام ألف وتسعمائة وتسعٍ وأربعين، بعد ديوانه الثاني «طفولة نهد» الذي سبقها بعامٍ، وأخيرًا طالعنا بديوانه الثالث الموسوم «أنتِ لي»، وفي جميع ما اطلعنا عليه من شعره نجد الشاعرية الممتازة، بأخيلتها الوثابة ورمزيتها المبتدعة، وموسيقاها الهفهافة الساحرة، ونجد كل هذه الخصائص الرشيقة مندمجة في معاني الأنوثة اندماجًا خلابًا عجيبًا.
ومهما تكن نزعات شاعرنا في سِنِّه الحاضرة فلا ريب عندنا في أن وطنيته وإنسانيته ووطنية أسرته المأثورة الموروثة ستتجلى في شعره مستقبلًا عندما تزيده التجارب والسن نضوجًا. أما شعره الحاضر فليس مع ذلك بالجمال المجرد، فإن تغنيه بجمال المرأة — وإن تدلى أحيانًا — هو توجيه بديع إلى نبعٍ طبيعي قد يصدف عنه في البيئات المتأخرة، بحكم العزلة والحجاب، وإن تغنيه بجمال الطبيعة في ألوانها وصورها المنوعة لثروة فنية ممتازة!
يقول شاعرنا في تصدير ديوانه الجميل «طفولة نهد» الذي يمثل في كل صفحة من صفحاته وفي مظهره آيات من الرشاقة النفوس الساحرة:"إن الشعر هو كهربة جميلة لا تعمر طويلًا، تكون النفس خلالها بجميع عناصرها من عاطفة، وخيال، وذاكرة، مسربلة بالموسيقى. ومتى اكتست الهنيهة النفسية ريش النَّغَم، كان الشعر؛ فهو بتعبير موجز النفسُ الملحَّنة. لا تعرف هذه الهنيهة الشاعرة موسمًا ولا موعدًا مضروبًا فكأنها فوق المواسم والمواعيد، وأنا لا أعرف مهنةً يجهل صاحبها ماهيتها أكثر من هذه المهنة التي تغزل النار، والذي أقرره أن الشعر يصنع نفسه بنفسه وينسج ثوبه بيديه وراء ستائر النفس، حتى إذا تمت له أسباب الوجود واكتسى رداء النغم، ارتجف أحرفًا تلهث على الورق".