لم تكن ثورة 30 يونيو عام 2013 ثورة عادية لكنها كانت بداية لحقبة وصفحة جديدة في تاريخ مصر، نستطيع أن نقول إنها كانت بمثابة تصحيح المسار لدولة عريقة وكبيرة مثل مصر، لتؤكد أن الدولة المصرية عصية على الانكسار والسقوط مهما مر عليها من محن وأزمات وصدمات، وذلك بفضل قوة وعظمة شعبها العظيم الأبي وشبابها ورجالها وجيشها العظيم وشرطتها، الحمية والغيرة على بلدهم وعدم الاستسلام لأي ظروف وعدم الانحناء وقت الضعف والأزمات؛ فغضبة المصريين تتحطم أمامها أي مخططات شيطانية للنيل من بلدهم وتفشل أي محاولات لهدمها.
تعرضت الدولة المصرية على مدار سنوات طويلة قبل 2011 للإهمال والتهميش في العديد من القطاعات والمجالات، ثم جاءت أحداث 25 يناير 2011 وشهدت البلاد ما شهدته بعدها وقيام جماعة الإخوان الإرهابية باختطاف ثورة يناير وأعماها الطمع في السلطة والغرور والتكبر حتى وصلت إلى السلطة وتوسعت وزادت أطماعها لا يفرق معها طموحات وآمال الشعب المصري ولا إرادة الشعب، فسعت في الأرض فساداً يمكن أن تفعل أي شيء مقابل تحقيق أطماعها وأغراضها الخاصة، لتشهد البلاد في الفترة بعد 2011 حتى 2013 حالة من الفوضى وعدم الاستقرار والأمن.
فكان التهديد والوعيد للشعب المصري هو سلاح جماعة الإخوان لتكميم الأفواه وبث الرعب والفزع في قلوب المصريين ظنا منها أنها تستطيع أن تخرس الألسنة وتخمد نيران الغضب، وتناست أن شعب مصر إرادته صلبة لا يستسلم، فالتاريخ يقول إن مصر أبدا لن تسقط وعصية على الانكسار.
وجاءت ثورة 30 يونيو المجيدة التي تحل علينا ذكراها الحادية عشرة، ليخرج جموع الشعب المصري بعد عام واحد من حكم الإخوان ويطالب برحيل محمد مرسي الرئيس الإخواني المعزول، ويسقط حكم الإخوان وتسقط مع الثورة أطماع ومخططات الجماعة الإرهابية لاختطاف الدولة المصرية وطمس هويتها، وتنتصر إرادة الشعب المصري على غرور وغطرسة جماعة الإخوان الإرهابية، تلك الجماعة التى تاجرت بالدين من أجل الوصول إلى الحكم، فمنذ اليوم الأول من وصول مرسى، للحكم، شعر المصريون أنه ليس رئيسا لكل المصريين، ولكن لـ« للأهل والعشيرة ».
وخلال عام حكم الإخوان لم تتوقف الجماعة الإرهابية عن استفزاز الشعب المصرى بكل فئاته، فقد صنعت الجماعة عدوا في كل شبر من أرض مصر، ففي 8 يوليو 2012، أصدر محمد مرسي قرارا جمهوريا بعودة مجلس الشعب المنحل، في تحدى صارخ لحكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون الانتخابات، فكان مسمارا في نعش الإخوان، حيث أثار ذلك غضب قضاة مصر والقوى السياسية والشارع المصري، وطعن كثيرون على قرار مرسي وقضت المحكمة الدستورية العليا بوقف القرار بعودة مجلس الشعب.
واستكمل الإخوان خطتهم الدنيئة لإقصاء كل المخالفين لهم، وتزايدت حالة الاحتقان بين كافة أطياف الشعب، وفي واحدة من محاولات السيطرة على مقاليد الدولة، أصدر المعزول في 22 نوفمبر 2012، إعلانًا دستوريًا مكملًا، منح نفسه مزيدا من السلطات وحصن قراراته من الطعن عليها قضائيا، ومنع حل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد، وهي الخطوة التى أشعلت فتيل الاحتجاجات في الشارع المصرى، لترد الجماعة على ذلك بحشد أنصارها في مظاهرات مؤيدة، وقام أعضاء وأنصار الإخوان بالاعتداء على المتظاهرين السلميين في اشتباكات عنيفة حاملين أسلحة مما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات.
ولم تتوقف الجماعة الإرهابية عند ذلك فتمادت في فسادها وتسلطها وديكتاتوريتها وعادت كل مؤسسات الدولة وأطياف الشعب المصري، قامت بمعاداة الإعلام والصحافة وتوعدت كل من يتحدث عن انتهاكات ومخالفات الإخوان والمعزول مرسي، كما استمرت الجماعة الإرهابية في استفزاز قضاة مصر الأجلاء، عندما أصدر المعزول قرارا بتعيين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار رئاسي لمدة 4 سنوات، مما يعد تعديا صارخا على استقلال السلطة القضائية، وقد ترتب على القرار عزل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، وهو ما آثار حالة من الغضب داخل الأوساط القضائية، ليردوا عليه باجتماع طارئ تحت عنوان "يوم أسود فى تاريخ القضاء المصري"، لتنتهى هذه المعركة بانتصار إرادة القضاء وعدول الرئيس الإخوانى المعزول عن قراره.
كما عاني المواطن المصري خلال حكم الإخوان من تدنى الخدمات بشكل ملحوظ، وأصبحت الأمور من سييء إلى أسوأ، وباتت الجماعة تهدد وتتوعد كل من يعترض، وواصلت استغلال الشعارات الدينية لتدغدغ مشاعر المصريين، لكن كان الشعب المصري على درجة كبيرة من الوعي وصبره نفذ وبدأ الشباب في التمرد على حكم الإخوان وبدأ في جمع ملايين التوقيعات من المصريين فيما عرف وقتها بحركة تمرد والتي قادها الشباب المصري الواعي المخلص لوطنه، وما كان من مرسي وجماعته إلا أن استهزأوا بإرادة الشعب المصري غير مكترثين بحالة الغضب المشتعلة بين جميع أطياف الشعب، وكان المصريون على الموعد في 30 يونيو فنزل الملايين في كل محافظات الجمهورية وامتلأت الميادين بكل الفئات لتنادي بإسقاط حكم الإخوان وعزل مرسي، وانحازت القوات المسلحة المصرية الباسلة للإرادة الشعبية، وجاءت ثورة 30 يونيو المجيدة لتكتب كلمة النهاية للعام الأسود الذي حكمت فيه الإخوان مصر، وانتصرت إرادة الشعب المصري وسقط الإخوان ورئيسهم.
لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك؛ فلم تنصاع الجماعة الإرهابية للإرادة الشعبية وحشدت أنصارها لنشر الفوضى وهددت المصريين بالقتل والسحل، وبدأت موجة كبيرة من العمليات الإرهابية لكن الشعب المصري ظل صامداً وقامت القوات المسلحة والشرطة المصرية ببطولات كبيرة وتضحيات في مواجهة الإرهاب الأسود لجماعة الإخوان وأتباعها، وقدموا آلاف الشهداء والمصابين فداء للوطن حتى نجحت الدولة المصرية في القضاء على الإرهاب.
وكانت المرحلة التي تلت ثورة 30 يونيو صعبة جدا، فالدولة كانت أمام تحديات ضخمة وجسيمة على رأسها إعادة الاستقرار والأمن والأمان بعد فترة من الفوضى والعنف والخراب الذي خلفه الإخوان، ونجحت مصر في ذلك بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي وتكاتف الشعب المصري خلفه، ثم بدأت مرحلة تثبيت أركان الدولة واكتمال مؤسساتها فتم إعداد دستور 2014 ثم إجراء الانتخابات الرئاسية والانتخابات النيابية، وكان التحدي الأصعب هو إعادة الدولة المصرية إلى مكانتها الطبيعية ولم يكن الأمر سهلاً أبدا، فما أحدثته الفترة من 2011 حتى 2013 يصعب على أي دولة أن تقوم منه مرة أخرى وتقف على رجليها بعدما مرت بثورتين، خلاف أننا ظللنا فترة كبيرة بعد ثورة 30 يونيو نحارب الإرهاب.
لكن بفضل الإرادة والعمل الجاد استطاعت الدولة المصرية أن تنهض من جديد وعاد الاستقرار والأمن والأمان إلى الشارع المصري، وتم تثبيت أركان الدولة ومؤسساتها، وبدأت الدولة خطوات كبيرة نحو الإصلاح الاقتصادي لدفع عجلة الإنتاج والنمو، ورغم التحديات الضخمة إلا أن الدولة المصرية على مدار العشر سنوات الماضية حققت العديد من الإنجازات والنجاحات في مختلف المجالات، وشهدت البلاد طفرة اقتصادية وارتفع معدل النمو الاقتصادي، ولولا جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية الصعبة ثم الأزمات الاقتصادية العالمية المتتالية وتداعياتها بعد الحرب الروسية الأوكرانية وما تشهده المنطقة من توترات وصراعات حولنا لكانت الأمور أفضل بكثير حاليا، ورغم ذلك مصر قادرة على مواجهة التحديات واستمرار معركة البناء والتنمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة