لكل حضارة قصة في خلق العالم، تختلف باختلاف الثقافة والطبيعة، والهند حضارة قديمة وغنية، ولها تصوراتها المتنوعة، ومنها ما يتعلق بالهندوس وأساطيرهم.
ويقول كتاب أشهر الأساطير في التاريخ لـ مجدي كامل تحت عنوان "أسطورة الخلق الهندوسية":
تقول الأساطير الهندوسية: إن هناك أكثر من قصة للخلق، وأن هناك ثلاثة آلهة وراء ذلك، وهي: إبراهما، وهو سيد جميع الآلهة، رغم إنه مهمل في شعائر العبادة الفعلية، وكان له من الشهامة ما أبعده عن الميل مع الهوى، وهو القوة الخالقة في الطبيعة، رغم اعتبار براهما من ثلاثي الآلهة العظام الهندوس وبقيتهم: "فشنو"، و"شيفا" المدمر فقد خسر براهما قوة كونه الخالق لهذين الإلهين اللذين أصبح أحدهما للبناء، والآخر للتهديم وكذلك الإلهة الأم المقدسة الحمراء اللون.
ويظهر براهما بأربعة رءوس وكانوا سابقًا خمسة رءوس ولكن الإله شيفا أحرق إحدى الرؤوس بعينه الثالثة، لأنه تكلم معه باحتقار، ويحمل براهما صحن الزاهد الذي يشحذ الطعام والصدقات.
وتصوره صورة أخرى وهو يقدم للآلهة صحن الزاهد المتنسك الشحاذ، وكذلك حكمة المعرفة السحرية مع بقية الآلهة الذين يقدمون فروض الطاعة للعنصر الأنثوى براهما.
وهناك أسطورة أخرى حول الخليقة تقول: إن براهما هو المادة الأساسية، وموجودة منذ الأزل، وأن براهما خلق المياه الكونية، ووضع فيها بذرة ونمت وأصبحت بيضة ذهبية هرانيا كاربها وولديها هو براهما خالق الكون وكان الكائن الأول يورشا أو الرجل الكوني وأحد أسماء براهما.
وتقول أسطورة أخرى: إن براهما خرج من زهرة لوتس من سرة فشنو وبوجود رفيقة زوجته الإلهة لاكشمى إلهة اللوتس وتمثل لاكشمى الثراء والنعمة ومسئولة عن ولادة البشرية، وكانت لبراهما علاقة غير شرعية مع الكلمة الملفوظة "فان"، أو البقرة التي تغنى ألحانا وتجلب الحليب والمياه، وهي "أم الفيدا" و"فان": تعني الكلمة، وقوى الطبيعة، وهي بطبيعة أخرى تعنى الوهم وتظهر على شكل لبؤة، وتظهر "فان" في النقوش في المعابد مع رجل أما عربة براهما "حمزا" أو "فاهانا" فهى استمرارية للأسطورة؛ لأن اسم الطير مرتبط مع صوت الكون والتنفس، فالشهيق يعمل صوتا هو "هام»، والزفير "زا" والكلمة هي "حمزا" أو "همزا"، لذا فإن تمارين التنفس اليونحية ونفس الحياة مبنية عليها ونجد في أبنية المعابد نفس كلمة "هاما" أو "همزا" على جانبي زهرة اللوتس وهي رمز المعرفة.
أما أصل أسطورة "اللنغام" فيقال: إن شيفا حل نقاشا لبنى براهما وفشنو حول الذي أوجد الخليقة، وقد خرج براهما على شكل ذكر أوز في المحيط الكوني وفشنو على شكل خنزير برى، وذلك للتحقيق في الأمر وعندما طار الأوز أى إله الذكر الكونية ينفجر، وفي ملجأ على شكل كهف كان الإله الخالق شيفا مختبئا .
وأما فشنو فهو إله الحب الذى ما أكثر ما ينقلب إنسانا؛ ليقدم العون إلى البشر.
وفشنو هو الإله المجدد والمحافظ وله شعبية في الهند وجذر كلمة فشنو هي (فش) معناه ينتشر ويعم، ويوصف فشنو بأنه في كل مكان وقد تجسد في عدة صور على شكل "أفاتارا» إله، أما جوهره المقدس فيتجسد على شكل إنسان أو شكل خارق ويظهر على شكل "أفاتارا" عندما تدعو الحاجة لإصلاح كل شيء والقضاء على الشر، ويقول "فشنو": عندما يتهدد النظام والعدالة في الأرض، سأنزل إلى الأرض، ورغم أن شيفا تجسد مرة على شكل إنسان، أو إله، فإن فشنو بتجسداته العشرة يسيطر على فحوى الأسطورة الهندوسية.
وأعظم ما يتجسد فيه فشنو هو شخصية "كرشنا"، وهو في صورته الكرشنية مولود في سجن، يأتى بكثير من أعاجيب البطولة ومغامرات الغرام يشفى الصم والعمى، ويعاون المصابين بداء البرص، ويذود عن الفقراء، ويبعث الموتى من القبور .
وكان لكرشنا تلميذ محبب إلى نفسه هو "أرجونا" الذي تبدلت أمامه خلقة فشنو، وتقول أسطورة حياته: إنه مات مطعونا بسهم، وتقول أسطورة أخرى: إنه قتل مصلوبا على شجرة، ثم هبط إلى جهنم ومنها إلى السماء، على أن يعود في اليوم الآخر ليحاسب الناس أحياءهم وأمواتهم، وهو مثل: الإله شيفا - تتبعه الأكثرية الكبرى من سواد الشعب الذي يكرم الآلهة، والذى يرسم الواحد منهم على جبهته كل صباح بالطين الأحمر علامة الفشنو، وهى شوكة ذات أسنان ثلاث، بينما الشيفي المخلص لعقيدته يرسم ثلاثة خطوط أفقية على جبهته برماد من روث البقر، أو يلبس "اللنجا» ويربطه على ذراعه أو يعلقه حول عنقه.
أما أتباعه فيقدسونه على أنه هو الذي خلق الكون كله، وأنه بعد أن قام من النوم أمر البراهما أن يخلق الأرض، ثم اتخذ له مكانا في (الفيكونتا) وهى السماء التي كان هو نفسه إلها لها، وهناك يجلس فشنو على العرش بجانب زوجته والإلهتين لاكشمى وسرى إلهتى الحظ السعيد والبركة الطيبة، وفشنو ينتابه القلق - أحيانًا بسبب هذا العالم، فهو يهبط بين حين وآخر يتفقد شئون البشر، ويعتقد الهندوس أن تجسد فشنو القادم سيكون "كالكي" أو الحصان الأبيض وسيعود خلال الـ ١٤٢٨ قرنا القادمة التي نمر بها وتسمى کالی یوغ دهر کالی وهي مرحلتنا الحالية، وفي هذه الفترة يعتبره أتباعه أنه الأعلى ويعتبرونه الخالق، لأن براهما خرج من سرته في زهرة اللوتس وفي تجسده على هيئة كرشنا فهو الحافظ.
أما شيفا فقد خرج من رأسه كما يذكر في ملحمة "المهابهارتا" وشيفا هو المدمر الذي يحل الأشياء، إله القسوة والتدمير، وهو تجسيد لتلك القوة الكونية التي تعمل واحدة بعد أخرى على تخريب جميع الصور التي تتبدى فيها حقيقة الكون، وشيفا لا يظهر عادة إلا في ميادين القتال والمعارك الضخمة والمنازعات الطاحنة .
أما تماثيله المنحوتة في الصخر فهي تمثله وهو يضع فوق رأسه عددًا من الجماجم وتحيط به أرواح الشر حيث يمارس رقصة الموت والدمار تلك الرقصة التي تنتهى بتحطيم العالم، وقد جسد شيفا قوى التدمير وعرف بأنه الذي يأخذ الشيء ويوجد على شكل شاب أشقر بأربع أيد وأوجه وثلاث عيون وتقع العين الثالثة في وسط جبهته وتمثل أحيانًا هذه العين بثلاثة خطوط أفقية ويقوم أتباعه برسمها على جباههم في الوقت الحاضر ويصورونه وهو لابس جلد الأسد وتلتف أفعى على رقبته .
والصفة الثانية لشيفا هي صفة بحيرافا أو الملتهم السعيد، وفي تنكره هذا يرتاد المقابر وأماكن حرق أجساد الموتى ويلتف بالأفاعي والجماجم كقلادة له ومعه مجموعة من الجنون والشخصية المضادة لصوره، وهو ظهوره على شكل ناتراجا ملك الراقصين، ويرقص رقصته الكونية أمام بارفاتي للتخفيف عن آلام أتباعه، ونجد أجمل ما تحمله هذه الأسطورة في جنوب الهند حيث تنتشر تماثيله البرونزية والدخول في غيبوبة عن طريق الرقص.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة