شباب لم يجد فى وطنه وسيلة للعيش الكريم اصطدموا بواقع مؤلم تحيط به أحوال سياسية واقتصادية واجتماعية سيئة للغاية، ففروا باحثين عن النجاة، حالمين بحياة أفضل، حيث فرص العمل الوفيرة والمردود المالى المناسب، لكن سرعان ما يتأثر ويذهب أدراج الرياح، إما على يد خفر السواحل أو على كف الموت حين تأتى موجة عالية تأخذ بقارب عبورهم إلى المجهول.
قرار من واقع بائس ظنه الشباب خلاصًا لهم طالما ضاقت بلادهم عليهم ولم يجدوا فيها قوت يومهم، وبعدما سدت سياسة الخصخصة، التى اتبعتها الحكومة كل أبواب الأمل فما بين خصخصة القطاع العام وبيعه على الأرصفة فى مزادات هزلية وإصدار وتطبيق قانون المالك والمستأجر فى الأرض الزراعية، تم تشريد مئات الآلاف من العمال فكان من الطبيعى أن يصبح الشباب بلا عمل وبلا مستقبل.
ونتيجة حتمية للسياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة، والتى أدت فى النهاية إلى طابور من البطالة بطول مصر وعرضها كان لابد أن يظهر سماسرة السوق ومكاتب السفريات غير القانونية ووسطاء الهجرة والفساد الإدارى والجماعات الإجرامية المنظمة الذين يتقاضون أموالاً من كل شاب مقابل تسفيره، وتمتلئ القوارب القديمة المتهالكة المكدسة بأعداد كبيرة من راغبى الهجرة، وتنتهى رحلة الشباب إما بالموت أو السجن والترحيل.
دوافع الشباب للهجرة غير الشرعية كثيرة ولا يلامون على هذا، فالظروف الاجتماعية الصعبة تكون أقوى بكثير من صوت العقل، وعليه فإننى أطالب الحكومة وبالتحديد وزارة القوى العاملة والهجرة بإعداد خطة استراتيجية رباعية الأبعاد أمنية وقانونية واجتماعية وإعلامية لملف الهجرة غير الشرعية، تبدأ بصرف إعانات عاجلة لأهالى ضحايا الهجرة غير الشرعية، ثم تتولى وزارة التأمينات عمل بحث اجتماعى لهؤلاء المفقودين وصرف معاش استثنائى لكل أسرة مفقود كان هو عائلهم الوحيد ضماناً لتلك الأسرة من الضياع والتشرد، ثم تقوم وزارة الخارجية بعمل حصر شامل للمصريين المحتجزين فى السجون الإيطالية ومطالبة السلطات الإيطالية بالإفراج فوراً عن كل المحتجزين وإرسال وفد مصرى يضم العديد من أهالى المفقودين للمرور على تلك السجون والتعرف على أبنائهم، وإن يتم السماح للمسجونين بالاتصال الدورى بذويهم كحل سريع لطمأنة الأهل بأن الأبناء مازالوا على قيد الحياة.
ثم تتولى وزارة القوى العاملة والهجرة بالتنسيق مع الوزارات والهيئات المعنية إعداد العمالة المطلوبة والمناسبة لسوق العمل الأوروبى من خلال معرفة متطلبات الدول الأوروبية من الخبرات اللازمة لسد النقص فى الكفاءات والقطاعات المطلوب عمالة لها، ويتم تفعيل ما تم الاتفاق عليه فى برنامج دول الاتحاد الأوروبى المتفق عليه مع مصر والخاص بتنظيم وتأهيل الشباب المصرى للعمل بالخارج، وتعديل أوضاع المصريين المهاجرين هجرة غير شرعية بقدر ما تسمح به ظروف الدول المستقبلة من خلال آليات تعاون فنى وأمنى وقضائى وتشريعى، وفى إطار الاحترام الكامل لحقوق المهاجرين.
والآن يبقى على حكومتنا أن تعمل بكامل طاقتها كى تحافظ على البقية الباقية لنا من شبابنا المصرى، الذين لم يراودهم التفكير فى الهجرة غير الشرعية قبل أن تحيط بهم ظروف اقتصادية قد تجعل منهم وجبة ثمينة لأسماك وحيتان البحار.