عاطف حزين

عارفينه وشايفينه .. بس موش خايفين منه

السبت، 11 أكتوبر 2008 06:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لأن عمر الأمم يحسب عادة بالقرون لن تجد أمة عاشت طيلة حياتها، حالة سرمدية من الاستقرار دون أن تنغمس لبعض الوقت فى مستنقعات الذل والشقاء، وظنى أن الذى يتحكم فى الحالتين، الاستقرار والشقاء، طبيعة وقدرات البشر الذين عاشوا وتناوبوا على تلك الأمم، فمنهم من أخذ بأسباب العظمة فأصبح وطنهم عظيماً، ومنهم من لم تكن لديه أية قدرات قيادية خلاقة فأصبح وطنهم عنوانا للفقر والقهر.

لكن حال الأمم لا يتبدل من حال إلى حال بين عشية وضحاها، فالناس لا تأتى جميعا ولا تذهب جميعا، ولذلك تأخذ الدول وقتا طويلا حتى تتبدل أحوالها.
هذه قاعدة مسلم بها تستطيع تطبيقها على إمبراطوريات قامت وحكمت العالم، وإمبراطوريات زالت بعد طول تربع، تستطيع تطبيقها أيضاً على دول كانت تتسول الخبزوأصبحت اليوم تقرض وتتبرع لدول سادت الدنيا يوماً.

وحين تفتش عن أسباب النهوض وأسباب السقوط ستجد نفسك أمام جملة أسباب قد يكون بعضها محل خلاف فى وجهات النظر، لكن سيبقى فى النهاية سببان أظنهما سيكونان محل إجماع ولن يغنى أحدهما عن الآخر، الأول: الثروات التى منحها الله لذلك البلد، والثانى: كيفية استثمار وإدارة تلك الثروات، فما أكثر الأمم التى منحها الله كنوزاً فوق الأرض وتحتها، غير أنها رزقت أيضاً بعصابات حاكمة من اللصوص الذين صبوا خيرات الوطن فى جوفهم، فباتت دولهم من أصغر وأفقر الدول، وما أقل الدول التى منحها الله رزقا محدودا يكاد يقيم الأود غير أنها رزقت فى الوقت نفسه بإدارة وطنية حكيمة تضع شعبها فى عيونها وتأخذ بأسباب النجاح فيصبح الوطن على يديها من أعظم الأوطان قاطبة.

الأصل إذن هو كيف تدير "الكون" الصغير الذى استخلفك الله عليه دون أن تخل بالميزان، نعم فلكل شىء فى هذه الدنيا ميزان يمكن أن ندركه بسهولة إذا تأملنا فقط الطريقة التى يدير بها الله هذا الكون وفقاً لقاعدة بسيطة تقول: اعط كل ذى حق حقه، والعطاء هنا ـ لمن لا يعلم ـ ليس مالا فقط وليس جاهاً ولا منصباً فقط وليس ثواباً ولا عقاباً فقط، إنما العطاء هنا أن تعدل فى كل شىء تفعله حتى لو بدا غير ذى أهمية، فالتوازن لا يتحقق إلا بمجموع الأشياء التى نمارسها فى حياتنا، وتعالوا نتأمل رب أسرة مكونة من أربعة أفراد لم يدر "كونه" الصغير وفقاً لقاعدة اعط كل ذى حق حقه، هل يمكن أن تنشأ أسرة ذلك الرجل على نحو سوى قوى، يكون أفرادها كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً عند النوائب والكوارث؟ وهكذا الأمم، فما يحدث فى الوحدات الصغيرة للمجتمع هو نفسه الذى يحدث فى المؤسسات الكبيرة للدولة وهو نفسه الذى ينطبق فى بيت الملك ومقر الرئاسة، إنها نظرية الأوانى المستطرقة، فحين يصير الظلم دين الدولة سيصير بالتبعية عقيدة أصغر وحدة فيها، وحين يصبح الفساد ديدنها لا تبحث عن الطهارة والشفافية فى أزقة وحوارى تلك الدولة لأن الناس، بالتأكيد، على دين ملوكهم.

أسمع بعضكم يسألنى: أنت عايز تقول إيه؟

فى الحقيقة أود أن أقول شيئين، الأول: أن مصر تكاد تكون الدولة الوحيدة على مستوى العالم المستثناة من قاعدة تداول الأيام ما بين استقرار واندحار، فما أعرفه على امتداد عمرى وما عرفته ممن سبقونى وما فهمته من كتب التاريخ، يؤكد أن هذا البلد لم يعرف طوال تاريخه إلا لوناً واحداً من ألوان الحياة (ليس الأبيض بالطبع) ولم يذق من مشهيات الدنيا إلا طعماً واحداً منها (ليس طعم التفاح بالتأكيد)، فإذا سألت عن الثروات التى منحها الله لنا ستتعب وأنت تحصيها بدليل أن مصر تنهب منذ سبعة آلاف سنة ومازال أغلبنا يجد شربة ماء وكسرة خبز، أما إذا سألت عن الكيفية التى تدار بها ثروات البلد أو بالأحرى الطرق التى حكمت بها مصر الثرية جداً فيكفى أن أحيلك إلى النتيجة المؤلمة التى نتجرعها الآن دون أن أزيد على ذلك بكلمة، لكننى لن أمارس الظلم الذى نشكو منه وأتجاهل حقيقة أن مصر حكمها فى بعض فترات عمرها عظماء نبلاء ووطنيون غير أن سوء حظهم ـ وحظنا بالطبع ـ أن الحروب التى خاضتها مصر جرت فى عهودهم، وبالتالى لم يكن أمامهم ثمة فرصة لكى ينعم الشعب المصرى بحياة أكثر استقراراً وأقل معاناة.

أما الشىء الثانى الذى أود قوله هو سؤال حتمى أظن أنه لا مهرب منه: هل يوجد أمل فى غد مشرق لهذا البلد؟

أظنه ليس سؤالاً جدلياً خاصةً إذا درسنا المقدمات والنتائج من حولنا لنعرف بعدها ماذا ينتظرنا غداً على مستوى لقمة العيش وكوب الماء وفصل المدرسة ومستقبل الأولاد وحقوق الآباء والأمهات والإصلاح السياسى وصناديق الانتخابات وتداول السلطات والأغنية وفيلم السينما وماتش الكورة.

بكرة بتاع مصر واضح جداً من غير فلسفة أو أوهام كاذبة، بكرة اللى مستنينا عارفينه وشايفينه بس موش خايفين منه، لأن المسألة لو كانت بالمقدمات والنتائج كنا اتمحينا من خريطة العالم من زمان، من ساعة مالفساد اختار بلدنا لتكون محل إقامته، لكن من حسن حظنا أن ربنا أقوى من جيش الفساد، ولذلك رهاننا الوحيد ليس على المقدمات والنتائج ولكن على رب الأسباب وخالق المعجزات، تفتكروا بعد كده ممكن نخسر الرهان؟









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة