تحل الذكرى الأربعون لكارثة الدويقة، وصدى الكارثة قد تراجع فى أذهان الناس، فلم يعودوا يتابعون أخبارها ولا ينفعلون بأحداثها التى مازالت تتصاعد، ربما لأن الناس قد اعتادت الكوارث والأحداث السيئة، كما اعتادت تتابعها السريع فى السنوات الأخيرة، بحيث لم تشغل "الكارثة من دول" سوى أيام معدودات فى نفوس الناس، تبدأ بعدها فى النسيان الإرادى، والتجاهل الإرادى حتى تستطيع استقبال الكارثة الجديدة بالصلابة نفسها التى استقبلت بها سابقاتها من الكوارث، وفى ذلك قدرة على التحمل، تميز الشعوب القديمة التى مرّت عليها أحداث وأهوال خارجية وداخلية، فاكتسبت خبرة التحمل وامتصاص الأزمات، من أزمة الغزاة المحتلين، إلى أزمة المحتلين من الداخل.
رغم ذلك، فلابد من الإشارة إلى بعض المحطات الهامة فى كارثة الدويقة، بمناسبة ذكراها الأربعين، لأن بعض هذه المحطات نفسها تمثل كوارث منفصلة، تستحق أن يلتفت إليها الناس مثلما ينشغلون بأخبار حرائق المستشفيات ومجلس الشورى والمخازن والمصانع، وحتى احتراق المواطنين احتجاجاً وهروباً من واقعهم.
أقول إن تأخر الأجهزة المعنية فى معالجة الصخور المنهارة على مساكن الغلابة حتى تفاقمت الكارثة، هو كارثة أخرى. والعجز عن انتشال الأحياء من تحت الأنقاض، والتقاعس عن طلب المساعدة الدولية استكباراً واستهانة بأرواح الفقراء لأنهم فقراء عشوائيون، كارثة أخرى.
وحصار موقع الكارثة ومنع بعض الجهود الأهلية التى تصدت لأعمال الحفر وانتشال الجثث أو تقديم المساعدات العينية، كارثة ثالثة. وتحول مهمة فرق الإنقاذ من البحث عن جثث الضحايا إلى حصار أهالى الدويقة، وبروز القبضة الأمنية الثقيلة من منطلق أن "اللى راح راح والزن فى الموضوع يسبب إحراجاً للبلد"، كارثة رابعة.
وتقاعس أو عجز أو عدم قدرة فرق الإنقاذ عن أداء عملها والتعامل مع الكارثة دون إعلان حقيقة الوضع، مما تسبب فى تحول عدد كبير من الناجين المحتملين إلى جثث مؤكدة، وتحول الجثث المؤكدة إلى جثث غائبة لا تجد من ينتشلها، كارثة خامسة. وقيام الأهالى بجهودهم الذاتية فى ذكرى أربعين الكارثة بانتشال جثتين، جهد يستحق التحية، لكنه يسلط ضوءاً كاشفاً على كارثة أليمة جديدة.
أين فرق الإنقاذ.. أين المحليات.. أين المحافظة.. أين الدولة؟
أخيراً.. عدم تقديم مسئول واحد للمحاكمة فى كارثة الدويقة وعدم انتحار مسئول واحد، وعدم إعلان أى جهة مسئوليتها عن الحادث، والاكتفاء بشماعة القضاء والقدر. أليست كارثة جديدة تستحق الالتفات إليها؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة