تابعت - بقدر من الاهتمام - السجال الشيعى السنى، والذى كان أبطاله من ناحية الشيخ يوسف القرضاوى ومن تبعه، ومن ناحية أخرى الدكتور محمد سليم العوا ومن سار على دربه. اهتمامى بهذه القضية نابع من أمر أساسى، هو أن المنطقة العربية لا تحتمل صراعاً مذهبياً، ولا أفهم كيف أن الإسلام السياسى الذى طرح - يوما ما- "الأممية" بديلاً عن الدولة القطرية، أو على الأقل إطاراً أوسع تذوب فيه الدولة التى صنعها الاستعمار، حسب أطروحاته، يعود الآن ليطرح خيار المذهبية، وهو مستوى سياسى دون الدولة الحديثة، ويعود بنا قروناً إلى الوراء، حيث دولة الطوائف، والشيع، والمذاهب.. إلخ. وفى خضم المعركة، استخدمت عبارات قاسية، واتهامات صريحة ومستبطنة.. إلخ.
لم أفهم كيف أن المتعاركين- وجميعهم من مدرسة الوسطية - لا يلتقون ولا يتحاورون، بدلاً من أن يتحول الموضوع إلى مساجلة إعلامية، فجة ومباشرة، وقاسية، تلهب المشاعر، وتفتح أبواب جهنم.
لم أفهم كيف أن المتعاركين - وجميعهم من مدرسة الحوار- لم يكلفوا أنفسهم عناء الحوار، أو هكذا يبدو لنا من بعيد، بحيث يعطون المثل والنموذج لكيفية حل المشكلات، ومواجهة الالتباس واختلاف وجهات النظر من خلال الحوار، والنقاش الهادئ، بعيداً عن صفحات الصحف، ومواقع الإنترنت.
حاولت أن أعرف سبب هذه المعركة الإعلامية فلم أصل إلى شىء.. سمعت الكثير من أطراف مختلفة، ولم يكن سوى إعادة إنتاج لاتهامات بعضها يتعلق بالأفكار، وبعضها يتعلق بما يتجاوز عالم الفكر.. لا أريد أن أسترسل فى موضوع لا معنى له بعيداً عن مشكلة الاختلاف المذهبى، والسجال حول العقائد، ليس محله الآن، ولست أهلاً للخوض فيه، فقط أود أن أسجل أن هناك مشكلة تتعلق بإدارة الحوار حول الاختلاف، وما جرى خلال الأسابيع الماضية شكل نقطة تراجع على مسيرة الحوار، وهو أمر سيكون له تأثيرات بعيدة الأمد.
قلت لأحد الأصدقاء - منذ أيام - لو أن الحكومات العربية تحالفت جميعاً على محاصرة الإسلام السياسى، لن تفعل أكثر مما فعلته هذه المساجلات القاسية، التى خلفت مشاعر سلبية، وتساؤلات صعبة، وكان هناك من استغلها، ونفخ فيها وعمق منها، والبقية تأتى.
د
يكفى ما لدينا من مشكلات تتعلق بإدارة التنوع الدينى، هل نضيف إليها مشكلات أخرى تتعلق بإدارة التنوع المذهبى؟
منذ عدة أشهر أصدر الفريق العربى للحوار الإسلامى المسيحى وثيقة تتعلق بالاحترام المتبادل بين أهل الأديان، وكان من أبرز من صنعوها الدكتور محمد سليم العوا، لم تحظ الوثيقة بالنقاش الحقيقى، والترويج الجاد لها، ولكن يبدو أن هناك ضرورة للعمل على تضمين عبارات وفصول تتعلق بالحوار بين أهل "المذاهب"، على الصعيدين المسيحى والإسلامى، لأن الخبرة تشير أن المشكلة بين أهل الأديان، رغم صعوبتها، قد تجد أحياناً حلاً بالعودة إلى تراث الدولة، وعلاقات الود، والخبرة التاريخية، أما المشكلات بين أهل المذاهب، فلا يبدو أن هناك حلاً لها، ولا سيما بعد أن جرى تسييسها، وتحولت إلى مشكلة مذهبية سياسية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة