مستر فوكوياما
مساء الخير، أكتب إليك من بلاد بعيدة، تحديداً من تلك البلاد الهجين التى لا تستطيع أن تنهى دورة كاملة من التطور، البلاد التى وصفتها أنت بأنها حقل ألغام لكل إدارة أمريكية .. لعلك تدرك الآن أننى من الشرق الأوسط، تحديداً أنا عربى مصرى من هؤلاء الذين تعلموا بالمصادفة فى لحظة من التحولات الناقصة للبلاد الهجين .. وتكونت ذاكراتهم وأحلامهم وفقاً للمنطق الهجين نفسه، كم حلمنا بإلغاء الفوارق الطبقية، بعد تحقيق العدالة الاجتماعية، وفى الوقت نفسه راودنا الحلم الأمريكى .. الحرية .. الإبداع .. الابتكار .. دعه يعمل، دون أن نتوقف عن الحنين لعصرنا الذهبى عندما كنا إمبراطورية تسود العالم.
لعلك تتساءل الآن لماذا أكتب لك أنت تحديداً؟
وأقول لك إننى من راجع ودشن إحدى الطبعات العربية الأولى من كتابك "نهاية التاريخ"، وبالتأكيد أنت لا تعرف مدى الألم الذى سببته لى أنت وكتابك هذا، كنت أتخيلك دائماً ترتدى الزى التقليدى للمتطرفين المتأسلمين .. القميص الأبيض حتى الركبة والبنطلون الأبيض والطاقية البيضاء وتطلق لحيتك .. أتخيلك هكذا، رغم أننى أعرف صورتك جيداً وأعلم مدى أناقتك الإيطالية.
هل تعلم مستر فوكوياما، لقد راجعت كتابك "نهاية التاريخ" كما لو كنت أتجرع دواءً مراً .. صفحة بعد صفحة، كلمة بعد كلمة، وأنت تفاخر بنظريتك الساذجة التى كنت أعى سذاجتها, لكننى كنت فى معسكر المهزومين, بينما العالم كله يلهث وراء استعراضك الفارغ حول انتهاء تاريخ الصراع البشرى بانتصار الرأسمالية .. انهيار القطبية الثنائية وبروز قطب واحد قادر على ضبط الإيقاع وإلغاء معاناة البشر.
كنت أرفض كلماتك التى تصادر على تطور الإنسانية وتضع سداً أمام المستقبل وما يأتى به, لكنى كنت أشهد كيف يتم تحويل كلماتك إلى سياسات وحروب, وكانت هزيمتنا الشخصية نحن الذين آمنا بالعدالة الاجتماعية وإلغاء الفوارق وسيلة لإلغاء معاناة البشر، كبيرة ومريرة فى حلوقنا.
الآن مستر فوكوياما .. هل تشعر بالخزى ولو قليلاً؟
هل تشعر أنك كنت محض دجال مثلاً؟
هل كنت "باحثاً بالأمر" على غرار بعض الذين يقدمون الفتاوى عندنا؟
مستر فوكوياما
دعنى أعترف لك أننى تابعت تحولاتك العنيفة وتنقلاتك بين المعسكرات, دون أن تفارق حلقى تلك الغصة التى سببها كتابك "نهاية التاريخ"، ودعنى أقل لك لم يعد يؤلمنى وجود كتابك هذا فى مكتبتى بعد تصريحك الأخير بانهيار بعض المفاهيم الرأسمالية وأن أمريكا انهارت كمؤسسة مع انهيار شركات وول ستريت، ولكن دعنى أسألك مستر فوكوياما ..
ما شعورك مع تحول الإدارة الأمريكية إلى مجلس السوفييت الأعلى, وقيامها بتأميم كبريات المؤسسات الأمريكية تحت شعار "الإنقاذ"؟
أنت قلت سابقاً إن المحافظين الجدد يشبهون أقطاب الماركسية اللينينية .. لكنى اعتبرتك تقفز بشياكة من مركب تغرق .. الآن هل انهارت أمريكا كمؤسسة حقاً أم أنك فعلاً كما تصورتك وأنا أراجع كتابك "نهاية التاريخ" فى تسعينيات القرن الماضى .. لا تجيد سوى ارتداء عمامة المتطرفين وممارسة المصادرة على الإنسانية؟
مستر فوكوياما
حلول المتطرفين الذين يملكون الحقائق القاطعة دائماً ما تجلب السخرية عليهم، لكنها تجلب الأسى والشقاء على الكثيرين.
مستر فوكوياما
أرجوك أن تكف عن إطلاق أحكامك النهائية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة