حمدى الحسينى

أوباما ..والحلم المصرى!

الجمعة، 03 أكتوبر 2008 02:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سواء وصل باراك حسين أوباما إلى البيت الأبيض، أو فشل ستبقى تجربته فى المنافسة على الوصول للبيت الأبيض تجسيدا حيا للحلم الأمريكى، الذى يذكرنا دوما بالحلم المصرى الذى يستعصى على التحقيق من جيل إلى جيل.

لقد عاش الأمريكيون منذ اكتشاف بلادهم قبل أربعة قرون على أمل أن أمريكا هى بلاد الخير للجميع وأن من يعمل بجد وإتقان دون واسطة أو أية سند من أحد سيتمكن من تحقيق أمانيه فى النجاح الاقتصادى والاجتماعى والسياسى.. هذا ببساطة هو الحلم الأمريكى الذى يقوم على فكرة الفرص المتكافئة وإمكانيات النجاح وتحقيق السعادة الشخصية والعائلية استنادا على القاعدة الثلاثية المساواة والحرية والعدالة، وهى بالصدفة القاعدة الغائبة منذ زمن عن واقعنا المصرى.

أتصور أن للمرشح بارك أوباما جانبا إنسانيا يجب أن نتعرف عليه عن قرب من خلال الوقوف عند بعض المحطات الرئيسية فى حياته الشخصية والعملية.. هذا الشاب الذى ترجع أصوله إلى أب أفريقى مسلم وأم بيضاء تنتمى إلى عائلة "جرامز" الأمريكية المتوسطة الحال، التى تعاطف والدها مع حركة مارتن لوثر كنج لمكافحة العنصرية فى المجتمع الأمريكى.. إنه ثمرة لقاء حضارتين مختلفتين الأولى هى الحضارة الأفريقية المتميزة بالسحر والدفئ والإثارة التى يمثلها والده حسين أوباما المسلم الكينى، والحضارة الأمريكية بما تحمل من قيم مادية وتقدم وثراء.

أوباما الابن ظل حائرا طوال حياته بين جينات الطيبة والبساطة ولون البشرة والتحدى التى اكتسبها من والده بالوراثة، وبين تفاصيل الحياة المادية الأمريكية المعروفة إلى جانب معاناته الدائمة من العنصرية والإحساس الدائم بأن لونه الأسمر يمثل عقبة وأزمة فى تعامله مع الآخرين.
إن قصة حياة بارك أوباما مليئة بالمغامرات والحكايات المثيرة التى تعكس واقع الحلم الأمريكى.. تبدأ باللحظة التى جمعت بين والده الطالب الكينى المسلم الذى حصل على منحة أمريكية لاستكمال الدراسة الجامعية فى الولايات المتحدة ووصوله إلى جامعة "هاواى" ولقائه بفتاة بيضاء وصلت إلى "هاواى" فى نفس الوقت بصحبة والدها بحثا عن فرص أفضل للحياة والعمل، وتشاء الظروف أن تعجب هذه الفتاة الأمريكية البيضاء بالشاب المسلم الأسود وتقدمه لأسرتها، ثم تتزوجه وسط تحديات المجتمع الذى لم يكن مستعدا فى ذلك الوقت لقبول ارتباط فتاة بيضاء بشاب أسود.. شاءت الظروف أيضا أن ينفصل الأبوان وتنتهى علاقتهما بالطلاق، ويعود الأب إلى كينيا ثم يموت فى حادث سير.

ترك غياب الأب جرحاً عميقاً فى شخصية الشاب أوباما، ثم سرعان ما تأقلم مع وضعه الاجتماعى وتعايش مع زوج والدته الجديد وهو رجل إندونيسى مسلم أيضا، وسافر للإقامة مع والدته فى جاكرتا واكتسب خبرات طويلة من الحياة فى إندونيسيا وتمكن من بناء شخصيته العنيدة، ووسط هذه الأجواء نشأ الفتى أوباما وتعلم دروسا هامة فى الكفاح من أجل تحقيق ما يريده.. تفاصيل مريرة عانى منها طوال فترة شبابه مثل أى شاب مصرى يكافح هذه الظروف دفعته للعمل فى المعمار والنوم فى الطرقات والمبيت بدون طعام كل هذا لم يقف عقبة فى طريق أحلامه أن ينافس أمير البحار الأبيض جون ماكين فى سباق الرئاسة الأمريكية!!.

أوباما استفاد من نظام التعليم المطبق فى الولايات المتحدة وتلقى أفضل تعليم فى المراحل الثانوية، وتعمق لديه شعور بأنه لن يحقق طموحاته وأحلام والده إلا عبر بوابة التعليم وبالفعل حصل على منحة لاستكمال دراسته الجامعية فى "هارفارد" وهى واحدة من أفضل الجامعات ليس فى الولايات المتحدة بل فى العالم أجمع، ثم واصل مشواره السياسى عبر البرلمانات المحلية ومن خلال العمل الأهلى وسط تجمعات السود حتى أصبح أصغر عضو كونجرس أسود على مستوى الولايات المتحدة كلها.

لم يتوقع أحد فى أمريكا أو غيرها أن يدخل السباق إلى البيت الأبيض شاب مثل باراك أوباما 47 عاما ينتمى إلى جذور أفريقية، والده مسلم اسمه حسين عاش حياة شديدة القسوة وتمكن من هزيمة الفقر والعنصرية والظروف الصعبة!!.

إن التفاصيل التى أوردها أوباما عن حياته فى كتابه "أحلام من أبى" علينا أن ندرسها بدقة لأنها تعكس حجم التحول فى المجتمع الأمريكى.. هذا التحول هو الذى أتاح الفرصة أمام أوباما - بتركيبته الاجتماعية المعقدة - للوصول إلى الكونجرس عن ولاية إلنوى وهو لا يملك حتى شقته الذى يعيش فيها كما يتبادل سيارة واحدة هو وزوجته حتى الآن.

بصرف النظر عن نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة فإن حياة ومسيرة باراك أوباما سوف تقلب الموازين ليس فى الولايات المتحدة وحدها بل ربما فى دول كثيرة، من بينها مصر لأن تأثير الانتخابات الأمريكية يمتد إلى خارج حدودها، وأمل أن يصل إلى الشباب المصرى الذى حتما سيقارن بين المناخ الذى سمح لأوباما أن يحقق أحلامه فى التنافس للوصول إلى المكتب البيضاوى، وبين المناخ السياسى الخانق الذى تعيشه مصر حالياً الذى يعوق أى شاب فى تحقيق أحلامه الصغيرة فى الاستقرار والعمل!!.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة