سعيد ياسين

تعليم آخر زمن

الجمعة، 31 أكتوبر 2008 10:16 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صورة الأستاذ فتحى على جاويش، مدرس اللغة العربية فى مدرسة لا صيفر البلد الإعدادية، لا تفارقنى حين أكتب خبراً أو تقريراً أو موضوعاً جيداً خالياً من أى أخطاء لغوية، أو حين أتحدث مع أقرانى من الصحفيين، وأرجع إليه الفضل باستمرار فى تميزى وقوتى إلى حد ما فى اللغة العربية التى أتعامل معها، كما كان يتعامل بها الراحل سعد أردش بالأذن والسمع، للدرجة التى كانت تتوقف فيها أذناه عن استقبال كلمة مرفوعة مثلا، هى فى الأصل منصوبة أو مجرورة بالكسرة.

أذكر أن مدرسى الذى يرفع له كل أبناء جيلى القبعة، كلما قابلوه، كان يمنح ثقة كبيرة للمتفوقين فى الفصل تصل إلى حد إعفائهم من تسميع نصوص المحفوظات مثلما يحدث مع بقية زملائهم، لا لشئ إلا لثقته فيهم وثقتهم فيه، وفى المقابل كان يحرص على تكدير صفو البلداء من الطلبة بكل الوسائل، بداية بالتوبيخ وانتهاء بضربهم على أيديهم أو أرجلهم بعد خلع أحذيتهم، وأحيانا جواربهم "المد"، وكان همه الأول والأخير تخريج جيل قادر على حمل لواء اللغة بحق، علما بأنه لم يلجأ إلى الدروس الخصوصية فى أى يوم من الأيام، وكان الطلبة الكسالى يهربون من "الجرن" ونحن نلعب الكرة بمجرد مروره عرضا من الطريق الموازى للملعب.

لم يكن لأولياء أمورنا أية علاقة بالإدارة التعليمية فى دسوق، أو ناظر المدرسة ليرفعوا إليه أية شكوى ضد أى مدرس، لأن طريقة شكوى المدرسين لأية أسباب لم تكن استحدثت بعد، وكان الآباء حريصين على تعليم أولادهم بصدق، وليس لمجرد الحصول على شهادة تعلق فيما بعد على حوائط المنازل، وفى المقابل كان المدرسون على درجة عالية من النضج والالتزام والأمانة والمسئولية رغم صغر البعض منهم.

ربما كانت الظروف قديما أيسر والحياة أسهل والأسعار أقل وأقل، وربما كانت أحلام وأمنيات الجميع فى أن يتخرج الطالب من الجامعة، ويجد فرصة عمل مناسبة، أقرب إلى التحقق.
اليوم صارت العملية التعليمية "سمك لبن تمر هندى"، الوزارة اتخذت قرارات عشوائية ولا تزال، تقيد كثيرا من صلاحيات المدرس لدرجة تجعله يخشى من أن يشير بيديه إلى طالب فيجد نفسه متهما بمحاولة قتله. المدرسون القدامى لم تعد تكفيهم إيرادات أى دروس خصوصية مهما بلغت، والجدد منهم محاصرون بطلبات مادية ومعنوية لا قبل لهم بها، تخرجهم عن شعورهم أحيانا فى ظل تقاضى رواتب أو مكافآت ضئيلة للغاية، لا تكفى لإحضار حتى سندويتشات لهم فى الصباح فقط.

العلاقة بين الطالب والمدرس توترت بصورة تنذر بوقوع كوارث فى أى لحظة ولن تكون كارثة قتل التلميذ إسلام عمرو بدر فى مدرسة سعد عثمان بالإسكندرية على يد مدرس الرياضيات هيثم نبيل الأخيرة، ولا تقولوا لى إن هذا الأمر وارد، أو إنه موجود من أيام "مدرسة المشاغبين"، وتكفى الأخبار التى تطالعنا ليل نهار فى صفحات الحوادث عن السنج والمطاوى فى داخل المدارس وخارجها، والتى يحملها تلاميذ لا تقوى أرجلهم على حملهم.

وزارة التربية والتعليم مطالبة بأشياء كثيرة يمكنها أن تصلح العلاقة بين الطالب والمدرس، وتعيدها إلى سابق عهدها لو خلصت النوايا، بعيدا عن الانشغال بامتحانات الكادر وتطوير المناهج وترميم المدارس والمؤتمرات والندوات وغيرها.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة