بعد أن تجاوزنا كل أسباب التخلف وحررنا فلسطين، وطردنا الاحتلال الأمريكى من العراق، وحققنا حياة ديمقراطية سليمة، وجرى توزيع عادل للسلطة وبعد أن تم القضاء على الفساد وأسبابه، وتحققت الشفافية فى كل القضايا, والتحقنا بكل أسباب التقدم لم يبق فى أجندتنا سوى خطر الشيعة, وما يفعلوه من جهد لإقناع السنة بالتشيع، ولم يبقَ فى أجندتنا سوى استغاثات السنة من هذا الأمر الكارثى، وهذا ما يحاول إقناعنا به الدكتور يوسف القرضاوى الذى يقول متحسراً، وعلى طريقة إمسك حرامى:
"عندما تركت مصر قبل 47 عاماً لم يكن فيها شيعى واحد والآن هناك الكثير منهم فمن أدخلهم فى التشيع"، ويؤجج هذا الكلام عداوات قديمة فيها سيف معاوية ورأس الحسين، أكثر مما يعبر عن غيرة حديثة على الإسلام السنى أو الشيعى والخوف عليهما، أخطأ القرضاوى فى منحاه الذى خلط فيه السياسة بالدين، وتكلم عن معركة فيها افتعال أكثر مما تحتويه من حقائق، وزين للناس شعوراً زائفاً بالغيرة على الدين، وألقى للعامة لغة قد يفهمون منها أن التشيع هو الإسلام الخاطئ، والإسلام السنى هو الصحيح.
وأكثر ما يقلق فى الأمر أن هذا الفهم موجود بالفعل لدى البعض، لغة تفرق أكثر مما توحد، وتنسف جهوداً سابقة للتقارب بين المذهبين، لغة قفزت بالسياسة إلى الدين فى وقت لا تتحمل فيه مصائرنا مثل هذا العبث، لغة تحقق للمتربصين أغراضهم، وتحقق لهم أجندتهم التى تسعى إلى إشعال المنطقة فى حروب دينية.
الأجدى بالقرضاوى أن يتحدث بلغة السياسة والمصالح التى تحركها من الأطراف الإقليمية فى المنطقة. وفى هذا نقول إن ما تفعله إيران باعتبارها الكيان الشيعى الأكبر من أفعال سياسية هو الذى يستحق التوقف والمناقشة، قد نقول إن مشروعها السياسى يرتب أضراراً على واقعنا العربى, كما فعلت وتفعل فى العراق الذى أردته كياناً هزيلاً يعجز عن حماية بوابتنا الشرقية, كما تقول أبجديات الأمن القومى العربى.
قد نقول إن أجندتها فى القضية الفلسطينية تتناقض مع الأجندات العربية الرسمية، وقد نقول إنها تسعى إلى الهيمنة الكاملة على المنطقة بقوة التسليح والعقيدة، وحتى لا نكون كالنعام الذى يدفن رؤوسه فى الرمال، علينا الاعتراف أن إيران تفعل كل ذلك فى غياب مشروع عربى يرمى فى حده الأدنى إلى التكامل العربى والنهوض ديمقراطياً واقتصادياً وعسكرياً، وفى غياب كل ذلك لا تلوموا المشروع الإيرانى, وإنما اللوم يأتى لأنفسنا نحن, فقد تركنا له الساحة العربية, وامتد بتأثيره إلى أفريقيا ودول العالم الثالث، فرطنا فى كل شىء، ولم يعد أمامنا غير الهجوم الكلامى عليه, واستدعاء الخوف من التشيع, كما فعل شيخنا القرضاوى، كمظلة ندارى تحتها وبكل أسف خيبتنا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة