منذ الإعلان عن فوز المرشح الديمقراطى الأفريقى الأصل باراك أوباما برئاسة الولايات المتحدة، وأنا أضع يدى على قلبى خوفاً وقلقاً من أن يخرج علينا دعاة موتورون جهلاء بالدين والسياسة، يطلقون فتوى طائشة تكفر سيد البيت الأبيض الجديد الذى حبست أمريكا والعالم أنفاسه حتى انتصر على غريمه العجوز الجمهورى الأصولى جون ماكين، وبذلك يتحول رئس أكبر قوة فى العالم من حليف إلى خصم.. هكذا وبالمجان. خوفى وقلقى لم يأت من فراغ، فبمجرد إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية تفجرت فى العالم العربى مناوشات وجدل لا ينتهى بين الشباب فى منتدياتهم المفتوحة على شبكة الإنترنت.. محور النقاش كان سؤالاً عبثياً يقول: هل أوباما يعتبر مرتداً ويجب أن يقام عليه حد الردة وفقاً لنصوص الشريعة الإسلامية؟
هذا السؤال العبثى أتلف فرحتنا ودمر بهجتنا بانتصار الديمقراطية فى أصعب اختبار تواجهه فى عقر دارها.. لكن يبدو أننا شعوب مكتوب عليها التخلف والتعاسة والسير للخلف بينما كافة الأمم تسير دائماً إلى الأمام.. لقد أصابنى الذعر من طريقة التفكير العربية التى اعتدنا خلالها أن نترك القضايا الأساسية وننجرف إلى مناقشات فرعية تنتهى بنا إلى دهاليز من الجدل السفسطائى الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع. تعمقت لدى مشاعر الدهشة عندما اقترح أحد الشباب على أعضاء المنتدى طلب الفتوى من أحد شيوخ الأزهر أو مكة أو الزيتونة أو القيروان أو حتى أحد علماء مدينة "قم" الإيرانية لاستفتائهم حول الوضع الشرعى للرئيس الأمريكى المنتخب باراك حسين أوباما، وهل هو مرتد عن الدين الإسلامى؟
ورد أحد المشاركين فى المنتدى ببساطة على الاستفسار، بأن حكم الدين فى مثل حالات أوباما أن "يتبع الابن خير الوالدين دينا" بالطبع من وجهة نظرنا أن الإسلام هو دين الخير والسعادة للبشرية!! المدهش أن أصحاب العقول المتحجرة الذين انجرفوا إلى هاوية النقاش العقيم حول ديانة أوباما متساوون فى ذلك مع المتطرفين اليهود، الذين أطلقوا صيحات الخوف والرعب مع وصول أوباما إلى البيت الأبيض مشككين فى هويته الدينية، مؤكدين أنه يعتنق الإسلام سراً لكنه استطاع أن يخدع الشعب الأمريكى.
الذى لا يعرفه المتشنجون والمتعصبون فى كل الأديان أن حسين أوباما الأب الكينى المسلم الذى حصل على منحة لاستكمال دراسته بجامعة هاواى بالولايات المتحدة بداية الستينات من القرن الماضى، لم يكن يخطط للإقامة فى "هاواى" ولا حتى بالزواج من أمريكية إلا أن الصدفة جمعته خلال فترة الدراسة بالفتاة البيضاء "ستانلى آن"، ارتبطا بعلاقة عاطفية، ونجحت "آن" فى إقناع والديها بالزواج منه متحدية كل مشاعر الرفض من الجيران والزملاء.. حسين قرر فجأة العودة إلى وطنه كينيا بعد فترة وجيزة ثم طلق "آن" وترك لها طفلاً لم يعرف عنه شيئاً، ولم يكن يدرى أن ثمرة هذه العلاقة العابرة سيكون اليوم هو أهم وأخطر رجل فى العالم.
طبقاً لرواية أوباما الابن فى كتابه "أحلام من أبى" أنه لا يتذكر شيئاً عن والده ولم يعلم عنه سوى حكايات والدته عنه وحديثها الإيجابى عن كل مميزاته رغم انفصالهما.. فجأة ظهر الأب مرة أخرى.. بينما كان ابنه فى الرابعة من عمره، وطلبت منه المدرسة أن يلقى محاضرة للتلاميذ عن أفريقيا، وعن وطنه كينيا.. أثناء المحاضرة غمرت الطفل أوباما مشاعر الفخر بوالده الذى لفت أنظار الجميع بقدرته الفائقة على الخطابة وطرح المعلومات.. بعد هذه الزيارة عاد الأب مرة أخرى إلى كينيا ولم يره أوباما بعد ذلك، إلى أن تلقى اتصالا من أخته غير الشقيقة تخبره فيه بأن والده توفى فجأة فى حادث بنيروبى فى كينيا.. على الجانب الآخر كانت أم أوباما حريصة على أن ينشأ طفلها مسيحياً.. فعمدته بإحدى كنائس هاواى وعكفت على تربيته وفقاً للقيم الأمريكية المسيحية، وبالتالى فلم يربطه بالإسلام سوى علاقة الدم بوالده الذى لم يره طوال حياته سوى أيام معدودة.
كنت أتمنى أن يركز الشباب العربى على دراسة عقلية وشخصية وأفكار أوباما الإنسان البسيط الذى حقق الحلم الأمريكى القائم على ثالوث الحرية والعدالة والمساواة، بدلاً من "التفتيش" فى ضميره وعقيدته.. كما كنت أتوقع أن يعكف الشباب العربى على دراسة ظاهرة أوباما الناجح الذى حقق المعادلة الصعبة فى مجتمع مادى لا يرحم الفقراء، ولا يعترف بالضعفاء بدلاً من حملات إرهابه واستعدائه ضدنا، فاتركوا له الفرصة أن يحقق وعوده بتغيير أمريكا وتغييرنا.. طالما فشلنا فى تغيير أنفسنا.. فماذا أضاف إلينا حكامنا الذين يتمسحون بالدين ويحملون أسماء الرسل وألقاب القديسين؟ هؤلاء لم يجلبوا لنا سوى الهزائم والإحباط والاستبداد وعمقوا لدينا قيما فاسدة وأخلاقيات بالية جعلتنا فى مؤخرة أمم وشعوب المعمورة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة