دائماً ما كنت أكره أن أتكلم عن الجماعة المحظورة بسبب صعوبة ما عانيته من بعض المنتمين إليها كبارهم وصغارهم بطريق مباشر أو غير مباشر، وكانت معلوماتى قبل قيام الثورة أنهم تنظيم يعمل على نشر الدين الإسلامى والتوعية به بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكننى عندما أشيع أنهم حاولوا اغتيال القائد البطل جمال عبد الناصر سنة 1954 انصرفت عن الاهتمام بهم لحبى الشديد للرئيس جمال عبد الناصر كأى شاب مصرى يعشق مصر والتحرر والديمقراطية، ولم أصدق أنها تمثيلية اخترعها نظام عبد الناصر، ولكن بعد هزيمة 1967 بدأت أعيد حساباتى بالنسبة لموقفى من الثورة، وبدأت أبحث عما يشبع حبى لمصر مرة أخرى، وكان الرئيس السادات هو المنقذ لشعورى الوطنى وكرامتى الوطنية المنهارة، ولكن فجأة اغتالته يد الغدر، وازداد كرهى للجماعات التى تدعى تدينها ثم تقتل أى شئ يخالفها فى الدين لأنانيتها فى التصميم على السيطرة على حكم مصر المنهكة، من الحروب والخيانات، ثم بدأت مرحلة الاغتيالات من الجماعات الإرهابية الواردة من أفغانستان، وبدأت فى اغتيال أى نصر تحقق وأى أمل لشعب مصر فى حياة حرة كريمة، وازداد غضبى من جماعة الإخوان، بعد أن تعمقت إلى حد ما فى معرفة مخططاتهم وطرق معالجاتهم وأساليبهم للسيطرة على حكم مصر بعد محاولات عديدة، أقر بها اغتيال الرئيس السادات وفراغ نظام الحكم من وجود رئيس للجمهورية للحظات أو لساعات، وكانت أضعف لحظات النظام المصرى، وتأكد لى أن تلك الجماعة لن تستطيع السيطرة على النظام المصرى القوى الذى يحميه جيش قوى وأمن قوى يسهر على حماية مصر من الغدر.
ولكن بدا النظام فى مصر يتأثر تأثراً شديدا بالصراع المتصاعد بين الإخوان المسلمين، وبين حكومة الحزب الوطنى الحاكم، وترتب على هذا الصراع أن الحكومة المصرية اعتبرت الجماعة كفزاعة تستعملها فى حالات الاحتياج لها، ورضيت الجماعة المحظورة بدور الفزاعة للنظام الديمقراطى المفقود. وترتب على هذا الحال أن الحكومة المصرية وجدت المبررات لاستمرار قانون الطوارئ وأهم تلك المبررات هو وجود الفزاعة، وهى الجماعة المحظورة المزعجة للأمن باستمرار فى مصر، وأصبح الوضع المحتقن هو رمز لنظام الحكم فى مصر فانشغل النظام بالأمن ومكافحة الجماعة عن جميع الواجبات الأخرى أو على الأقل تأثر أدائها، كحكومة عليها أن تعمل على تطبيق نظام ديمقراطى، وتوفير سبل الحياة الميسرة للشعب وتنفيذ واجباتها الحكومية لصالح الشعب المصرى الكادح، وقد بحثت الإجابة على السؤال الآتى:
كيف ينتهى الوضع القائم من الاحتقان، وكيف يمكن تسييس الجماعة المحظورة، ودراسة احتمالات ترويض تلك الجماعة، وقمت ببعض التحليلات، فوجدت أن الجماعة المحظورة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1-قسم متعصب متشنج يصمم على ممارسة السلطة والسياسة وحكم مصر، مع أنه لا يملك مقومات الشخصية السياسية التى يمكنها شغل ولو وزير من الوزراء السياسيين، ولكن هذه الفئة تصر على حكم مصر تحت علم الإمارة الإسلامية العالمية ويشترك معها تنظيم عالمى ضعيف يستطيع إلقاء البيانات النارية، ولكنه لا يملك وسائل التخطيط والتنفيذ لطموحاته، لأنهم يعتقدون بأن شعار الإسلام هو الحل، يكفى لتنفيذ جميع الأحلام المزعجة التى يحلم بها.
2-والفئة الثانية هى الفئة الشبابية الثائرة المنتفعة العنيفة التى تميل إلى الحلول المسلحة الدموية اعتماداً على الثقة التى يولونها للفئة السابقة، ويطيعونهم طاعة عمياء وإن كانوا قد بدأوا التفكير فى النتائج.
3-الفئة الثالثة هى فى الحقيقة فئة اكتشفتها، تتميز برجاحة العقل والعلم وإن كانت فئة لا تتمتع بالقدرات السياسية بقدر تمتعها بالقدرات العلمية، ولكنها ليست راضية عما يحدث فى مكتب الإرشاد وفيما تفكر فيه وتعتنقه الفئة الأولى، ومن بينها المؤرخ الإسلامى الأستاذ أحمد رائف، صاحب كتاب البوابة السوداء الشهير، وهو يتحدث بشجاعة عن آرائه التى لا يريد الإفصاح عن أدق أسرارها مع الأستاذ المرشد العام، والذى صرح بأنه لا يرى فى جماعة الإخوان المسلمين شخصاً يستطيع أن يصفه بالسياسى، بسياسى داهية أو سياسى عادى، وأنه التقى بكوادر كثيرة لا يوجد عندهم بنيان أخلاقى، وثقافى نهائياً، وأن أعضاء الجماعة فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين كانوا أفضل بكثير جداً من إخوان اليوم، وأيضا الأستاذ أحمد عادل كمال المؤرح الإسلامى وأحد قيادات الإخوان القدامى، والذى أرسل خطابا إلى المرشد العام الأستاذ محمد مهدى عاكف يدعو فيه قيادات الجماعة إلى إعادة الجماعة إلى الأصول الأولى للإخوان المسلمين، وهى التربية والتعليم والنشاط الثقافى والاجتماعى والخدمى فى مختلف المجالات وترك السياسة جانباً لمدة ثلاثين سنة، وأيضا يوجد غيرهم الكثير، من العقلاء الذين يمكن التحاور معهم، لإنهاء الاحتقان القائم، لذلك فإننا نرى أنه لابد أن يكون هناك حلول إذا صدقت النوايا الطيبة، فهل من حلول لدى الحكومة؟