إلى أن يحل موعد استحقاق التغييرات الصحفية التى وعد بها السيد صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى ورئيس المجلس الأعلى للصحافة، أقترح على الزملاء الصحفيين استبدال المسمى التقليدى للصحف "القومية" بمسمى الصحف "الوطنية" نسبة إلى الحزب الوطنى الذى ينتسب إليه ويحمل عضويته كافة قيادات تلك الصحف.. الهدف من فكرة الاستبدال التى أقترحها وأتوقع أن تلقى حماساً من أغلب العاملين فى بلاط صاحبة الجلالة يرجع إلى إعادة الاحترام للمصطلح والمسمى الذى ظلت تحمله الصحافة "الحكومية" من ستينيات القرن الماضى، بعد التجربة المريرة لثورة يوليو مع حرية الرأى والصحافة التى انتهت بعملية التأميم الكبرى.
أظن، وليس كل الظن إثم، أن أسوأ خطوة قام بها الحزب الوطنى فى السنوات الأخيرة هى "ضم" جميع رؤساء وقيادات الصحف القومية إلى أمانة سياساته، ومن ثم يحق لنا أن نقولها بالفم المليان أن مرحلة انهيار الصحافة القومية بدأت مع صدور قرار "الضم" الذى جاء فى أعقاب استجابة النظام لصراخ وعويل الأسرة الصحفية للتخلص من رؤساء التحرير السابقين الذين حطموا كل القواعد والقوانين وبقى أغلبهم فى منصبة أكثر من ربع قرن.. هذه الاستجابة لم تأت إلا بعد دراسة متأنية من جانب خبراء "أمنيين" نجحوا فى استبدال عجائز فاسدين بشباب ناهمين للثروة عاشقين للسلطة بشكل يتعارض مع ثوابت وقيم مهنة البحث عن المتاعب.. النتيجة التى لم يكن يتوقعها أحد هى الانهيار السريع لما تبقى من أخلاق مهنية وتدمير لكل القواعد التى نشأنا وتربينا عليها فى مؤسسات صحفية عريقة.
قلبى مع رؤساء التحرير"الحكوميين" الذين يعيشون هذه الأيام لحظات قاسية من الترقب والانتظار حتى تحين لحظة الحسم التى حددها "الشريف" بعد إجازة عيد الأضحى للتخلص من صداع الاتصالات و"الدسائس" اليومية التى يتفنن بعض رؤساء التحرير الحاليين فى إلصاقها بمنافسيه المحتملين.
الزملاء رؤساء التحرير "الوطنيين" انقسموا إلى فريقين، الأول تغمره النشوة والطموح الجارف حتى أخذ يروج لنفسه على أنه مبعوث العناية السماوية لإنقاذ المجتمع من شرور زملائه فى الصحف "الخاصة" باعتبارهم مفسدين فى الأرض، يرغبون فى تحقيق الديمقراطية والعدالة ويحلمون بأن تساهم الصحافة بفاعلية فى عملية الإصلاح حتى يروا فى مصر تداولا سلميا للسلطة.. أصحاب هذا الفريق صعدوا من هجومهم فى الفترة الأخيرة على كل من يشتبه فى كونه مخالفاً للحزب الحاكم أو يشتم منه رائحة الاختلاف مع خطط الحزب وحكومته فيما يتعلق بقضية المصير السياسى لهذا البلد !! ثم تمادوا وتطرفوا فى ولائهم "المصطنع" إلى مستوى ممجوج ومقزز للرأى العام.. هذا الرأى العام يدرك جيداً أن هؤلاء المغالين فى الدفاع عن الحزب ليسوا صادقين فى مواقفهم بقدر صدقهم فى الدفاع عن مصالحهم الشخصية والعائلية.. أمثال هؤلاء أدمنوا تسويد صحفاً لا يراها غيرهم بكلام لا يضيف الكثير للنظام سوى مزيد من الكراهية ويجلب للمجتمع الكثير من الأعباء والمتاعب والهموم.
أما الفريق الثانى فهو من الزملاء المنتظرين ساعة الفرج المرتقبة من صفوت الشريف، يهمسون برفق فى أذنه بأنهم قانعون بما قسم الله لهم من منصب قبل ثلاثة سنوات ولا يرغبون فى المزيد، بل إن كل طموحاتهم هى الحفاظ على "النعمة" ويدعون الله صباحاً مساء أن يحفظها من الزوال أمام تيار التغيير المرتقب.. هواجس هؤلاء تتركز على تجنب العداوات والأحقاد التى جلبها المنصب الذى لم يكن متوقعاً لأغلبهم.. فماذا يفعلون لو أن النظام تخلى عنهم فجأة وأتى بضحاياهم ومن أبعدوهم وحاربوهم حتى فى لقمة العيش ورزق العيال؟ وكيف يتعاملون مع المعجبات و "الرفيقات" بعد زوال المنصب المرموق؟ فضلاً عن وضعهم السيئ أمام زوجاتهم وأقاربهم الذين عاشوا ثلاث سنوات فى جنة السلطة ونعيمها.. فانتقلوا خلالها من شقق "الإيواء" الضيقة إلى قصور وفيلات أكثر رحابة!
أتباع الفريق الثانى يصابون بالذعر من شبح العودة مرة أخرى "للتنطيط" فى المواصلات العامة بين زملائهم وباقى عامة الشعب.. هذه الهواجس والأضغاث نجا منها الفريق الأول الذين رفعوا من سقف تطلعاتهم وأحلامهم فتجاوزوا مرحلة القلق التى بقيت من نصيب الفريق الثانى.. بين هذا وذاك تاهت المهنة والأخلاق والحقيقة، فى ظل غياب أى نوع من التقييم والمحاسبة أو الرقابة لأداء قياداتها، مما عرض أغلب هذه المؤسسات للانهيار فى أى لحظة.. فهل توافقون على اقتراحى السابق حمايةً لهيبة المصطلحات وحرمة المال العام، بعد أن أصبحت أغلبها عِزباً خاصة.. تدريجياً تحولت إلى مؤسسات وصحف غير قومية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة