بصراحة كنت متخوفاً من أن تلجأ محكمة القضاء الإدارى إلى حيثيات سياسية فى دعوى وقف تصدير الغاز، ولكنها قدمت حيثيات قانونية رفيعة، تكرس من خلالها مفاهيم قانونية محترمة حول احترام سلطات البرلمان وضرورة مراعاة الشفافية. وقبل أن أقدم تلخيصا لأهم الحيثيات، لابد أن أقول لك لماذا كنت متخوفا من اللجوء إلى السياسة وليس القانون رغم أننى ضد التطبيع.
لأن هذا معناه أنه لا سلطة للقانون فى البلد، وأن القضاء يحكمه الهوى السياسى، وبالتالى لا يمكننا أبدا أن نطمئن لعدالته، فإذا كان هناك قاض، مثلا، ضد التطبيع مع إسرائيل، لأصدر حكما بوقف التصدير، وإذا كان هواه السياسى مع التطبيع، فسوف يصدر حكما بزيادة تدفق ثرواتنا إليها. وإذا كان هناك قاض منحاز، مثلا، لحزب التجمع فمن الممكن أن يحكم ظلما على عضو بالحزب الوطنى والعكس.. وهذه كارثة الكوارث، الانهيار الذى لا تحتمله بلدنا ولا يمكن أن يحتمله أحد.
ولعلنا نذكر الحكم الابتدائى الشهير فى حبس رؤساء التحرير الأربعة، فقد كانت حيثياته سياسية وليست قانونية، ناهيك عن أن الدعوى أساسا من غير ذى صفة، وكان هذا الأكثر إزعاجا فى الأمر، فيجب أن يبتعد القضاء تماما عن الهوى السياسى. ولذلك لابد من الإشادة بالحكم والذين أصدروه، لأن القضية تم تصديرها للرأى العام باعتبارها موجهة سياسيا ضد السلطة الحاكمة وضد إسرائيل وضد التطبيع، أى كان القاضى ومن معه معرضون لضغوط، ولكنهم افلتوا منها وحكموا القانون.
نعود للحكم الذى أرسى مبادئ فى منتهى الاحترام، وأولها أن جهة الإدارة، يقصد وزارة البترول، عليها الالتزام فى تنظيم وإدارة الموارد بحدود الدستور والقانون، وبالتالى لا تكون سلطتها أو القرارات الصادرة منها من أعمال السيادة، ولكن من قبيل القرارات الإدارية. وكان عليها أن تحصل على موافقة البرلمان، الذى يمثل الشعب صاحب الثروات الطبيعية، وبالتالى فما فعلته وزارة البترول اعتداء على سلطة مجلس الشعب. بالإضافة إلى السرية والتكتم الشديدين اللذين فرضتهما الوزارة وهو ما يتنافى مع الشفافية التى بات أمرها مستقراً فى ضمير الأمة. انتهت أهم بنود حيثيات الحكم وأظنك ستقدر معى هذا الموقف العظيم للقضاة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة