خالد صلاح

حظر النشر..

الجمعة، 28 نوفمبر 2008 08:10 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قوانين حظر النشر ليست سوى البرهان الأصغر على هذا الظلم الأعظم فى مصر، هى الدليل الجامع المانع على أن الدولة تنظر إلى الناس على أنهم غير مؤهلين للحرية وغير مستعدين للتعامل مع المعلومات حتى فى قضية قتل جنائية.

مؤسف فعلا أن ترى زملاء لك فى مهنة الصحافة يدقون الطبول فرحا بقرارات حظر النشر وكأنهم يعملون فى حرفة جمع أعقاب السجائر لا فى مهنة جمع المعلومات، هؤلاء الذين يعادون أنفسهم ويخاصمون مصالحهم المهنية ليسوا سوى حملة مباخر لكل ما يصدر عن السلطة، أو يصدر لصالح السلطة، أو يصدر لحماية السلطة، وهؤلاء أيضا ليسوا سوى نموذج مصغر للشكل الذى تريد لنا السلطة أن نكون عليه جميعا، السلطة تريد إعلاما ينتج بشرا على شاكلة واحدة، بشراً بأنصاف عقول وأنصاف ضمائر وأنصاف قرارات.

السلطة تريد أنصاف مواطنين تفرض عليهم وصايتها ليلا ونهارا، لا تجوز لهم الحرية ولا يستحقون الديمقراطية، ولا يتوجب لهم سوى القهر والبطش والمنع والمصادرة والمطاردة والحرمان من المشاركة.

قوانين حظر النشر ليست سوى البرهان الأصغر على هذا الظلم الأعظم فى مصر، هى الدليل الجامع المانع على أن الدولة تنظر إلى الناس على أنهم غير مؤهلين للحرية وغير مستعدين للتعامل مع المعلومات حتى فى قضية قتل جنائية أبطالها مطربة مغمورة ورجل أعمال نافذ فى السياسة وضابط أمن دولة شارد عن النظام.

وإن كنا لا نستحق المعلومات فى قضية بهذا الحجم المتدنى من وجهة نظر القوانين المنظمة للنشر فى مصر فإننا من ثم لن نستحق ما هو أبعد من ذلك، فالسلطة التى ترانا غير مؤهلين بعد للاطلاع على مجريات قضية جنائية هى بلا شك ترى أننا غير جديرين بالديمقراطية أو بتداول السلطة أو بمناقشة ملفاتنا القومية، قوانين حظر النشر تقول إنه لا ينبغى علينا أن نعرف أو نفكر، لأن الكبار الذين يعرفون أكثر ويفهمون أكثر يفكرون لنا ويخططون لنا ويتخذون القرارات بدلا عنا.

استمرار قوانين حظر النشر بهذه الصورة ليست إهانة للصحافة والصحفيين بقدر ما هى إهانة للمجتمع بالكامل، وتصوير مصر على أنها قبيلة من الغوغاء يجب أن ترشدها الدولة بالعصا والجزرة، والتوسع فى استخدام هذه القوانين هو دليل على فقدان الثقة بين السلطة والناس، وتشكيك فى قدرات العقل الجمعى المصرى فى التعامل مع المعلومات وفى تفنيد الحقائق وفى التمييز بين الخبيث والطيب.

كما أن التوسع فى استخدام هذه التشريعات المقيدة للنشر يخدم مناخ الشائعات فى البلد ويؤدى إلى تضخم أجواء من الإيهام والغموض فى قضايا الرأى العام، والدولة نفسها دفعت ثمنا غاليا لهذه الشائعات مرات متكررة خسرت فيها البورصة وتراجعت فيها عائدات قناة السويس وتضرر بسببها الاقتصاد الوطنى، ومن هنا لا ينبغى أن يكون الحل الأسهل والأسرع هو منع النشر، وتقييد حرية تداول المعلومات، لأن الناس لن ترى فى ذلك إلا حماية لمصالح نخبة من الكبار فى الدولة تورطوا مع أطراف القضية، قبل ارتكاب الجريمة أو بعدها، واستمرار الحظر يضاعف هذه المشاعر ويؤدى إلى نتائج على عكس ما استهدفه صاحب قرار الحظر.

المطلوب الآن ليس التراجع عن قرار حظر النشر فقط، بل إعادة صياغة منظومة التشريعات التى تتيح استخدام هذا الحق فى القضايا الصغيرة والكبيرة على حد سواء بلا ضوابط تعلى من قيمة حق الناس فى المعرفة، نحن قد ننصاع طوعا لقرارات الحظر فيما يتعلق بملفات الأمن القومى، أو فيما يخص العمليات السيادية أو العسكرية المرتبطة بالمصلحة العليا للبلاد داخليا وخارجيا، لكننا لا يمكن أن نقبل أن تسمح القوانين بإطلاق حق الحظر بلا سبب أو مبرر واضح يضمن احترام الناس للقرار بدلا من التمرد عليه أو التشكك فى نتائجه.

الدولة مطالبة بأن تبرهن على أنها تحترم حق الناس فى المعرفة، والصحفيون ومنظمات المجتمع المدنى مطالبون أيضا ببذل مزيد من الجهود لإعادة ضبط هذا التشريع دفاعا عن حق الناس فى المعلومات، والسلطة لا ينبغى لها أن تستمر فى معاملة المواطنين كأنصاف لا يستحقون الحرية ولا يستحقون الاطلاع على الحقيقة.

أما الزملاء الذين سخروا أقلامهم للدفاع عن فكرة الحظر فلا قيمة لما كتبوا سوى أنهم أكدوا بإرادتهم الحرة أنهم أعداء للمهنة التى ينتسبون إليها، وأنهم يفضلون جمع أعقاب السجائر فى الفناء الخلفى للسلطة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة