انزعجت كثيراً من الأحاديث المنشورة فى "المصرى اليوم"، الخميس 30 أكتوبر 2008م، مع عدد من الطلاب الذين فازوا بعضوية الاتحادات الطلابية، حيث كان الهاجس الأساسى الذى شغلهم هو نفى علاقتهم بالحزب الوطنى وأجهزة الأمن معاً. مصدر الانزعاج هو أن هؤلاء الطلاب باتت تلاحقهم تهم "المباحثية" والعمل مع "الحزب الوطني" فى اللحظات الأولى التى يبدأون فيها حياتهم العامة.
فقد شعرت بالتعاطف مع هؤلاء الطلاب، وهم ينفون عن أنفسهم العلاقة مع جهاز الأمن، فهذا أمر مفهوم، ولكن أن يصل بهم الأمر إلى نفى علاقتهم بالحزب الحاكم، الذى يحوز، ولو نظرياً، على أصوات غالبية الناخبين، فهو أمر غير مفهوم، ويدعو للتعجب.
السبب الرئيسى فى هذه الحالة هو النظام الحاكم، الذى تحت ضغوط التطرف المتصاعد فى أوساط الجامعة، حولها إلى مؤسسة بيروقراطية تدار بالإدارة الجامعية وأجهزة الأمن.. أدى ذلك إلى غياب الحيوية السياسية، وتحول الأمر إلى صورة غائمة يجرى رسمها فى العديد من وسائل الإعلام، حيث يجرى تصوير الأنشطة الطلابية على أنها نزاع بين طلاب الإخوان المسلمين من ناحية، الذين تناهضهم أجهزة الأمن، والطلاب الفائزين بعضوية الاتحاد، والذين تساندهم أجهزة الأمن.
القضية ليست هذا ولا ذاك.. فليس كل طلاب الإخوان المسلمين "أبرياء" و"ضحايا"، وليس كل الفائزين فى الانتخابات الطلابية "عملاء للإدارة الجامعية وأجهزة الأمن".. هذه الصورة لا مثيل لها فى أى مكان فى العالم يحترم الحرية الأكاديمية، ويسمح للطلاب بممارسة أنشطتهم بحرية.. المطلوب هو أن ترفع الحكومة يدها عن الجامعة، ولتكن بالفعل مؤسسة مستقلة، تاركة حرية العمل الطلابى، بحيث يشكل الطلاب من ذوى الانتماءات السياسية والفكرية المختلفة الأسر الطلابية التى تعبر عن توجهاتهم، ويخوض هؤلاء الطلاب المنافسة، وليفز من يفز.
وفى تصورى أن الإخوان المسلمين لن يحصدوا نصيب الأسد، مثلما يتوقع كثيرون، بل على العكس سوف يحدث نوع من التوازن، ويتعلم الطلاب بالممارسة كيف تكون الحياة الديمقراطية السليمة، ويحصل كل تيار على وزنه الحقيقى، وفى النهاية يكون الحكم هو الامتثال للنظام، والقانون، واللائحة. الغريب أن الوحيدين المسموح لهم بالنشاط "العلني" فى الجامعة اليوم هم الإخوان المسلمين، فلا الحزب الوطنى ولا أى حزب آخر مسموح له بالعمل، لأنهم أحزاب، أما الإخوان المسلمين فليسوا حزباً، وبالتالى لا ينالهم الحظر.. من هنا لا يعرف الطلاب سواهم، لأنه لا يوجد بديل آخر إلى جوارهم.
المشكلة أن اللائحة الطلابية لعام 1976م كانت تسمح بوجود "اللجنة السياسية"، حتى قبل أن تأخذ مصر بالتعددية الحزبية، وعندما آخذت مصر بالنظام الحزبى القائم على التعددية والمنافسة، ألغى السادات هذه اللجنة فى لائحة عام 1979م.
وقد استمرت هذه اللجنة غائبة، حتى فى لائحة الدكتور هانى هلال التى أقرت فى أكتوبر 2007م، وجرى تطبيقها- للمرة الأولى- فى الانتخابات الطلابية التى أجريت منذ أيام.
نتيجة هذه الحالة التى تجتاح الجامعة هى "الانسحاب" الجماعى، فلم يهتم الطلاب لا بالترشيح أو بالتصويت، واكتفوا بالكافيتريات، والبحث عن الملخصات، وكأن الحياة الجامعية مجرد مدرسة كبيرة، مختلطة، وليست مجالاً للتكوين الثقافى أو المعرفى أو السياسى.
هذا هو السبب الذى يسمح للتطرف بالصعود، والانتعاش، طالما أن الذهن خاوى، ولا يوجد مجال للتثقيف أو الممارسة السياسية، فلا بديل سوى التطرف، وهكذا كلما ازدادت الأحزمة البيروقراطية والأمنية حول خصر الجامعة كلما ازداد التطرف، والتشدد، والغباء.
المطلوب هو المشاركة، وسوف تصحح الممارسة نفسها بنفسها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة