عديد من التصورات الخرافية تحكم نظرتنا نحن العرب للانتخابات الأمريكية، أقول خرافية لأنها لا تستند إلى أجندة سياسية متماسكة فى التعامل مع موعد التغيير فى البيت الأبيض، وخرافية لأنها تتصور هذا التغيير كما لو كان يتم فى إحدى الدول العربية أو فى دولة من جمهوريات الموز بأمريكا اللاتينية، حيث يتحول كل رئيس إلى زعيم ملهم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا معقب لحكمه، وتتحول مؤسسات الدولة معه إلى سكرتارية تنتظر الأمر المباشر. وخرافية لأنها محكومة بأمانى الضعفاء قليلى الحيلة والمتكاسلين الذين لا يعرفون كيف يديرون أسباب القوة لديهم حتى تتحول فى لعبة الأمم إلى أوراق تفاوضية مؤثرة، أو بلغة الاقتصاديين إلى نوع من "المقاصة" المستمرة بين كيانات متنافسة، ستظل متنافسة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
السؤال الضرورى الذى يجب طرحه فى هذا السياق: هل تمثل أى دولة عربية، أو الدول العربية مجتمعة كيانا ذا حيثية فى هذه التنافسية الكوكبية؟ السؤال الذى يليه: هل من حق المتفرجين أن يصوبوا كراتهم المتخيلة بدلا من اللاعبين الفعليين فى الملعب؟ والسؤال الثالث: كيف نحكم على سلوك المتفرجين الذين يتصرفون باعتبارهم لاعبين مؤثرين؟ سؤال رابع: معنى ذلك أنه ليس من حق الشعوب المتفرجة أو الدول التى هى ميادين لإطلاق النار أو مزارع وقواعد خلفية للقوى المؤثرة، أن تبدى رأيها فى الانتخابات الأمريكية؟ السؤال الخامس: هل هناك فروق بين المرشحين الديمقراطى والجمهورى فيما يتعلق بنا نحن العرب؟
السؤال السادس والسابع والعاشر إلخ، يصب فى أننا نتطلع للانتخابات الأمريكية بنفس الآلية التى نودع بها عاما ينتهى ونستقبل معه عاما جديدا، نتمنى، فقط نتمنى أن يكون العام المقبل أفضل من العام المنصرم، هكذا مع كل عام جديد يأتى، دون أن نخطط ونعمل بجد على أن يكون العام الجديد أفضل من سابقه، لأننا لم ندرك بعد أننا نحن الذين نصنع الزمن ونملأه بالأحداث، أو نترك الآخرين يملأونه بأحداثهم ومصالحهم وتصوراتهم التى تناسبهم هم دون أن يعيروننا أى التفات.
الأمر نفسه ينطبق على المرشح الأمريكى للرئاسة، سواء أكان ديمقراطيا أم جمهوريا، فهو فى الحالين ينفذ برامج ورؤى استراتيجية موضوعة، وإن كان له مساحة من التكتيك فى التنفيذ، فماذا فعلنا نحن العرب حتى نضغط على واضعى الاستراتيجيات والسياسات الأمريكية حتى يقبلوننا متنافسين على الكوكب، حتى نجلس معهم ومع الكبار على موائد المفاوضات كأنداد لا كوليمة يتم اقتسامها ووضع اليد عليها؟
أقول، ليأت من يأت فى البيت الأبيض أو فى 10 داوننج ستريت أو فى الكرملين أو فى الإليزيه، أو فى القصر الرئاسى الصينى، أو حتى فى مقر رئاسة الوزراء الإسرائيلية، المهم ما هى أجنداتنا التى نتعامل بها مع المتغيرات فى العالم، ومع الأطماع والمصالح الأخرى المتضاربة بالضرورة مع مصالحنا، ما خططنا لتعظيم أرباحنا مع الإدارة الأمريكية الجديدة ومع غيرها من إدارات الدول الكبرى، أيا من كان على رأس هذه الإدارة أو تلك؟
الكرة إذن فى ملعبنا نحن، أقصد فى مؤسساتنا المختلفة ورجالها المنوط بهم معرفة عناصر القوة الموجودة والمحتملة عندنا وكيفية توظيفها، حتى نستطيع ربما التفاوض مع القوى الكبرى وتعظيم أرباحنا فى لعبة الأمم بدلا من انتظار الإملاءات.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة