"الدول العربية لم تشارك بأى إضافة فى مجتمع المعرفة العالمى منذ 50 عاماً" حقيقة مؤسفة كشف عنها النقاب الدكتور فاروق الباز مدير مركز الاستشعار عن بعد بجامعة بوسطن، أمام مؤتمر لرابطة المراكز العلمية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط، احتضنته مكتبة الإسكندرية على مدار يومين.
وضرب مثلاً بمصر، التى مازالت تفضل أن تقوم باستيراد الغذاء وتحديداً القمح، رغم أن حل مشكلة الغذاء لن يتم إلا بالبحث العلمى، وتحديداً بالهندسة الوراثية التى يمكن تسد فجوة الـ 40% فى القمح التى نضطر إلى تسولها من كل بلاد العالم شرقه وغربه، بعد أن أظهرت النتائج أن كل ما تم استصلاحه حتى الآن مع ما تم تدميره من تربة زراعية خصبة، يصب فى النهاية فى اتجاه سلبى، غير مبشر.
د. فاروق الباز، آتاه الله من العلم ما لم يؤت لغيره فى مجال تخصصه كعالم متخصص فى علوم طبقات الأرض، إلى الحد الذى استعانت به أمريكا فى تحديد المكان الذى ترسو فيه أول سفينة تهبط على القمر، وله أبحاثه التى جعلت من صحراوات مصر بالنسبة له كتاباً مفتوحاً، وأراد الرجل أن يرد الجميل لمصر، وبلور ذلك فى مشروع متكامل، غير نظرى قابل للتطبيق، يمكن أن يقيل مصر من عثرتها وهو مشروع ممر التنمية، يعتمد على الخروج إلى الصحراء.. بخلق ممر تنمية من النيل، وهو مشروع زراعى تنموى سكانى بيئى، تنفيذه يعنى تغيير وجه الحياة على أرض مصر، التى بقيت بنفس الصورة التى كانت منذ أيام الفراعنة، حيث الالتصاق بالنيل وبدلتاه.
المشروع لا يحتاج إلا إلى النيات الصادقة لدراسته بعيداً عن "المفتكسين" و"المدعين" وحملة الدكتوراه من جامعاتنا المصرية، معدومة الصلاحية، وما أكثرهم فى مصر المحروسة، ويحتاج المشروع فى النهاية إلى الإرادة السياسية التى تعطى الإشارة للبدء.
لمن يمكن أن نستمع إذا لم نكن سنستمع لمثل الدكتور فاروق الباز؟
هل يراهنون على الأيام أو على الصبر الذى قد ينفد وينسى الرجل وييأس ويرحل ويذهب بفكره وأبحاثه وأحلامه إلى إحدى الدول النفطية لكى تحتضن أفكاره وتنفذها، وبعد ذلك تخرج الأصوات الحنجورية تشكك فى وطنيته، تماماً مثلما فعلنا من قبل مع الدكتور زويل عندما رحل بمشروع جامعته التكنولوجية إلى الإمارات.
كان لى شرف اللقاء مع العالم الكبير الدكتور الباز أثناء زيارتى لبوسطن قبل عدة سنوات، ورأيت كيف يكون حب مصر فلسفة حياة، فالرجل فى أمريكا وقلبه وعقله فى مصر، يتابع كل شىء فيها، ويتابع عن كثب الكثير من المشروعات متطوعاً، منها عدة مشروعات مع صديقه العالم الدكتور زاهى حواس الذى استفاد بخبراته فى مشروعين: الأول مشروع إنقاذ ونقل ودراسة مراكب الشمس التى مازالت مدفونة أمام الأهرامات، والثانى دراسة أفضل العروض المقدمة من جامعات العالم للمجلس الأعلى للآثار لتصنيع إنسان آلى بمواصفات خاصة لسبر أسرار فتحات الأهرامات وكشف مكان غرفة الدفن للملك خوفو.. نجح زاهى حواس فيما فشل فيه د. نظيف مع سابقيه.
لو كنت عضواً فى الحزب الوطنى، عضواً يُسْمَع له بالطبع، لكنت طالبت بأن يرفع الاجتماع الأخير شعار ممر التنمية للباز كمشروع قومى بدلاً من مشرع توشكى الذى استنزف، ومازالت أموال مصر دون عائد حقيقى يرجى.