أعرف أننى أسبح ضد التيار، وموقفى ربما يتعارض مع مواقف الأغلبية العظمى من زملاء المهنة والكثير من قطاعات الرأى العام.. أقصد بالطبع الموقف من تصرف الصحفى العراقى منتظر الزيدى، الذى فاجأ الرئيس الأمريكى جورج بوش، وألقى بحذائه فى وجهه أثناء مؤتمر صحفى، فى سابقة هى الأولى من نوعها ليس على المستوى العربى بل أيضا على مستوى العالم.
الفيصل لدى أننى لو كنت مكان الزيدى، هل كنت سأفعل ما فعله، الإجابة لا، ليس لأنى أقل منه بغضا وكرها لرئيس مثل بوش، لكن لأنى أفضل عدم خلط الأوراق، ففى المؤتمر الصحفى سأستخدم أسلحة الصحفى وهى بالطبع ليس من بينها الحذاء.
لقد انتابتنى مشاعر مختلطة، بين كونى عربياً رافضاً للاحتلال الأمريكى للعراق ومعارضاً لمنهج وسلوك الرئيس الأمريكى طوال فترتى حكمه، وضد استخفافه بكل القضايا التى تمس العالمين العربى والإسلامى، وفقا لهذه المشاعر أجدنى سعيدا مبتهجا بما فعله الزيدى، باعتباره فرغ شحنة مكبوتة من الكراهية يضمرها الشعب العراقى والعربى تجاه بوش وإدارته الشريرة، كما أجدنى أسير ضوابط ومعايير مهنية وأخلاقية تحكم عملى كصحفى.. هذه القواعد تلزمنا برفض مطلق لسلوك منتظر الزيدى لأنها تتعارض مع أبسط القواعد التى تحكم مهنة الصحافة.. فأنا شخصيا ضد استغلال المظلة المهنية لتنفيذ عمل غير مهنى وغير حضارى، لذلك فلا يجوز أن يقوم صحفى إسرائيلى بطلب حوار مع قيادى فلسطينى والاعتداء عليه بأى وسيلة، والعكس صحيح فلا يجوز أيضا من صحفى فلسطينى ارتكاب مثل هذا الخطأ مهما توافرت له من ظروف.
موقف الزيدى يعكس دلالة سلبية لما وصلت إليه العلاقة غير الصحية بين الشعوب العربية والولايات المتحدة، هذه الواقعة ذكرتنى على الفور بحادث 11 سبتمبر الإرهابى عام 2001، ففى ذلك اليوم تجولت فى شوارع القاهرة حينها أدهشتنى مشاعر العامة التى أيدت الحادث باعتباره انتقاما من الغرور الأمريكى، بينما تجاهلوا الجزء الآخر من الصورة وتجنبوا التعاطف مع الضحايا الأبرياء الذين لا ذنب لهم فى أى صراع.
عقب إذاعة مشهد حذاء الزيدى المثير تحدثت مع العديد من الزملاء والمواطنين العادين فأذهلنى حجم الشماتة والحماس لسلوك الصحفى العراقى، واعتبره البعض بطلا قوميا نجح فى ترجمة مشاعر شعبه بصدق وأمانة.. لكنى هنا أعتبر أن موقف الزيدى يتعارض مع الأمانة المهنية، ويعد استغلالا غير مقبول لموقف سوف يضيف مزيدا من التشويه لصورة العرب المشوهة أصلا، فضلا عن الإساءة لسمعة أغلب الصحفيين العرب لأنه لم يضع حدا فاصلا بين ممارسته لمهنته التى دخل على أساسها المؤتمر الصحفى وبين موقفه كمواطن.. الأولى تفرض عليه أن يحاصر ويواجه ويحرج وينتقد بوش بكل الوسائل المشروعة والمعروفة فى العمل الصحفى، أما الثانية فتسمح له كمواطن أن يذهب للانضمام لفرق المقاومة المشروعة أيضا لطرد المحتل الأمريكى.. فالفارق بين الساحتين أن الأولى أسلحتها النقاش والحوار، بينما الثانية أدواتها القنبلة والمدفع، ربما الخطأ الذى وقع فيه الزيدى هو الخلط بين الساحتين، لذلك لا أتصور أن نقابة عريقة مثل نقابة الصحفيين فى مصر يمكن أن تتضامن معه وهذا ما حدث حتى الآن.
تصرف الزيدى أعاد إلى ذاكرتى مشهد اغتيال القائد الأفغانى المعروف أحمد شاه مسعود، حيث تنكر إرهابى فى صورة صحفى عام 2001، أثناء اللقاء فجر الصحفى المزيف فى وجهه الكاميرا التى كانت مفخخة فقتله على الفور، وبالتالى فقد استغل الإرهابى الأمان الذى يجب أن يتمتع به الصحفى فى تنفيذ عملية اغتيال بشعة.
على كل حال ما أخشاه أن النتائج السلبية لسلوك الزيدى سوف تجعل العديد من الحكام العرب يلغون من نشاطهم فكرة المؤتمرات الصحفية، التى عادة لا يقولون فيها شيئا مفيدا، وربما يلجأ بعضهم إلى إجبار الصحفيين على خلع أحذيتهم قبل أى لقاء، ويفرضون على الصحفيين دخول مجالسهم وهم حفاة أو زرع مخبرين فى مؤتمراتهم تكون مهمتهم فقط هى حراسة أحذية الصحفيين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة