خالد صلاح

مصر التى فى المحكمة

الخميس، 18 ديسمبر 2008 05:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الكل يريد القنص إلى النهاية، والاحتكار بلا منافس، والحكم بلا شريك، والنتيجة أنه لا ديمقراطية حقيقية فى أى مكان فى مصر هل تحتاج أنت إلى جهد كبير لتدرك أنه لا توجد جماعة سياسية أو مهنية أو مدنية أو فكرية فى مصر تؤمن (بالحوار) وتحترم ثقافة المشاركة والرأى الآخر، صرنا نذهب إلى المحاكم فى خلافات فكرية أو سياسية، أو فى خصومة على مقعد فى النقابة أو منصب فى حزب سياسى، أو على رأى حر فى ندوة أو مواجهة فكرية فى كتاب أو قصيدة أو مقال فى جريدة عامة.

المحامون يتخاصمون حول نقابتهم فى المحاكم ويتصارعون بالدعاوى القضائية، وكأن النقابة فريسة ينبغى اغتنامها، لا مظلة للحوار يجتمع تحتها الجميع، هل تصدق أن نقابة عريقة بهذا الحجم وبذلك الدور الوطنى الممتد عبر التاريخ يتخاصم فيها الرموز فى ساحات المحاكم وبالطعون القضائية دون قدرة منهم على تقاسم جلسة حوار حقيقية لمصلحة النقابة بعيدا عن هذا النزيف الحاد فى قدرات الجميع.

الأحزاب تخرج إلى النور بقرارات من المحكمة، ثم لا ينشأ خلاف بين قادتها إلا وينتهى إلى بلاغات فى أقسام الشرطة ومعارك فى قضاء مجلس الدولة، واشتباكات قانونية على كعكة لم يكتمل نضجها بعد، هل تصدق أن ضمائر وطنية أرادت المشاركة فى العمل العام يمكن أن ينتهى بها الأمر إلى الرصاص والمولوتوف والاستقواء بالبلطجية، ثم الاختصام فى دوائر محاكم الجنايات.

الموظفون يخاصمون الحكومة فى القضاء، والنواب ورجال الأعمال يتبادلون الخلافات الفكرية والخصومة السياسية فى بلاغات للنيابة العامة، والأدباء والفنانون والمنتجون والصحفيون والنواب يهجرون النقابات والجمعيات والمؤسسات الراعية للحوار ليحسموا صراعاتهم أمام منصة العدالة، حتى القضاة أنفسهم يتخاصمون بعيدا عن ناديهم وعن كل قنوات الحوار المحتملة لينهوا خلافاتهم الفكرية والسياسية والقانونية فى دوائر المحاكم.

لا أتحدث هنا عن الجرائم أو الاعتداءات المخالفة للقانون أو وقائع الفساد التى لا يجوز لأحد أن يحكم فيها إلا القضاء، ولكننى أعنى هذه الاشتباكات والخلافات السياسية والفكرية التى يمكن حلها بالحوار والجلوس إلى طاولة واحدة عبر احترام الرأى الآخر، وتقسيم المغانم بدلا من احتكار الحقيقة المطلقة، والتراشق بالتخوين، والميل إلى إقصاء الآخر بالقوة الجبرية.

مصر لا تنعم بثقافة الحوار، ولا يعترف مثقفوها وسياسيوها بالمشاركة، ولا يبدع مفكروها وصحفيوها فى توفير المناخ الأفضل لتبادل الرأى، وهذه الرذيلة لم تعد مقصورة على العلاقة بين الحكومة والمعارضة أو بين نواب الأغلبية ونواب كتلة الإخوان، بل امتدت لتعيب كل دوائر النشاط العام فى البلد، أحزابا ونقابات وجامعات وجمعيات أهلية ومؤسسات علمية، الكل الآن فى المحكمة لأنه لا أحد فينا يؤمن بالقاعدة الذهبية التى تقول إن (رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب)، الكل يريد القنص إلى النهاية، والاحتكار بلا منافس، والحكم بلا شريك، والنتيجة أنه لا ديمقراطية حقيقية فى أى مكان فى مصر، ولا تداول للسلطة بنزاهة وشرف فى أى مؤسسة فى البلاد، ولا روح للمشاركة والتعاون وتراكم المعرفة والخبرات فى مؤسسة رسمية أو مدنية فى عموم البلد، والحصاد أن الكل خاسر حتى إن حكم له القضاء، خاسر لأنه أخفق فى أن يحتوى المخالفين له فى الفكر أو المنهج أو أسلوب العمل، خاسر لأنه قرر أن يتوحد مع مصالحه الخاصة وآرائه الفردية دون أن يفتح صدره لحوار بناء مع المختلفين، ودون أن يجعل من خصومه فى العقيدة أو الفكر أو الانتماء أو الأسلوب أو حتى فى المصالح الخاصة عونا له على التقدم بالرأى المختلف والنقد الشجاع.
لا يمكن أن نتحدث عن ديمقراطية برلمانية، وتداول حقيقى للسلطة، ومشاركة وطنية فاعلة من الجميع فى صناعة القرار على المستوى السياسى دون أن نحسم هذه الروح الداخلية فى مؤسساتنا العامة والمدنية، إن نجح المحامون فى إنهاء صراعاتهم القضائية وحسم خلافات المهنة فى حوار داخلى بالنقابة، وإن نجحت الأحزاب فى استبدال بلاغات النيابة برسائل لتقريب وجهات النظر أو عبر لجان حكماء لإدارة خلافاتها الداخلية، وإن نجح القضاة والصحفيون والنواب والنقابيون وكل قطاعات النخبة فى خلق قنوات حوار وتفاهم بديلة عن المحاكم والمنازعات القضائية، فستكون بلادنا مؤهلة للوصول إلى ديمقراطية رائدة فى النهاية، وقبل الوصول إلى هذه المرحلة لا تستغربوا إن احتكر حزب واحد أو جهة واحدة صناعة القرار فى البلد.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة