لا تقل لى إنك لو كنت مدرسا فإنك لن تضرب التلاميذ، لأننى سأؤكد لك أنك كنت ستضربهم، ليس لأنك سادى النزعة وحشى الهوى لا سمح الله، ولكن لأن ألف باء تاء ثاء التعليم فى مصر هى أن يضرب المدرس تلاميذه.
انتبه من فضلك الكاتب يرجع إلى الخلف، سأتراجع قليلا عن بعض اتهاماتى للمدرس هيثم نبيل المتهم بقتل الطفل إسلام تلميذ الإسكندرية، والتى كنت قد وجهتها له على صفحات اليوم السابع فى العدد قبل الماضى، سأسير فى الاتجاه المعاكس، مستعدا لدفع قيمة مخالفة السير عكس الاتجاه كاملة.
هيثم مدرس مثل أى مدرس، وإسلام تلميذ مثل أى تلميذ، وواقعة الضرب حدثت كما تحدث آلاف المرات فى كل مدارسنا، لكن عمْر إسلام القصير، وحظ هيثم التعس، حوّلا الجريمة الصغيرة التى كان المدرس يستحق عليها تأنيبا من الناظر أو لفت نظر على أقصى تقدير وفقا لعقوبات التربية والتعليم إلى جريمة ضخمة «قتل»، ساهم الإعلام فى تحويلها إلى قضية رأى عام (وهى تستحق).
هل كان الضرب داخل المدارس يتم فى سرية كاملة فضحتها الواقعة؟ أم أن نظام حياتنا بالكامل أصبح يسير وفقا لقاعدة «عاوزين جنازة ونشبع فيها لطم»؟
لماذا ننتظر دائما صفعة أو ركلة أو حركة بذيئة تنبهنا إلى أننا نسير عراة ونحتاج إلى غطاء حقيقى نعيش تحته؟ ولماذا نتخيل أن الإصلاح يكون بتقديم كبش فداء وذبحه فى تشف وانتقام رغم أننا جميعا قد نصبح بين غمضة عين وانتباهتها نفس هذا الكبش.
هيثم قتل إسلام، ووزارة التعليم قتلت هيثم وإسلام ومئات الآلاف من المدرسين والتلاميذ، لماذا إذن نكتفى بالبكاء على جثة إسلام والتمثيل بجثة هيثم، هناك جثث أخرى فى المكاتب المكيفة والكراسى الوثيرة تستحق الصلب، وتقطيع أيديها وأرجلها من خلاف، وهذا ليس محل خلاف.
هيثم أخطأ، لكن المطلوب هو محاسبته على قدر خطئه فقط لا غير، يعنى بالبلدى ما ينفعش الشاب المسكين اللى ماكملش 25 سنة يحاسب على مشاريب ومصايب وزارة كاملة ونظام كامل، اللى خد حاجة يحاسب عليها، وهو ما يطلق عليه فى لغة المقاهى: كل واحد على حِجر أبوه، أو كما قيل.