من حقنا أن نفرح لأن أحدنا فاض به الكيل وضرب بهيبة البيت الأبيض المزيفة عرض الحائط وعبّر عن غضبنا وتأوهاتنا من كثرة وعمق جروحنا. التقطنا هذا التعبير بعاطفية فيّاضة وطورناه بعاطفية أكثر فيضاً. أن نكون «عاطفيين» فى هذا الزمان فذلك كرم من الله.
أما أن نكون «عاطفيين فقط» فذلك بلاء. بلاء مرعب لأن العاطفة وحدها لا تميّز ولا تحدد ولا تحلل فلا تخرج بأفعالنا وردود أفعالنا خارج دائرة ملتهبة من المشاعر فنبقى بعيدين عن الهدف ولا نراه أحياناً من شدة اللهب.
ما فعله منتظر الزيدى ليس بحثاً عن الشهرة كما قال السيد بوش بغباء؛ فهذه سطحية متناهية. وأن يُعاقب أويُعرض للتعذيب، إن صحّت أقوال أخيه أنه أصيب بكسر ضلع ويد ونزيف داخلى، هذا بعينه السخف والإذلال والغباء العربى. أما وصف ما فعله بأنه بطولة باسلة فهذا خلط عربى.. خلط للمفاهيم لا يؤدى إلا لاختزال الحلم العربى فى إصابة رأس رئيس أمريكى منتهية ولايته بحذاء على الإنترنت!
أنا على يقين أن منتظر لم ينس زملاءه الشهداء طارق أيوب وأوتار بهجت وعلىّ الخطيب والباسل جواد كاظم الذى أصر على كشف الحقيقة والمقاومة بالكلمة حتى بعد أن شلّ الرصاص الغادر حركته لباقى حياته. وعشرات غيرهم. ماذا يكون من سالت دماؤهم إذا كان منتظر بطلاً!؟ منتظر له تحية ومكانة أخرى. هو رجل عربى غاضب يمتلك من الشجاعة والنخوة ما يسمح له بالتعبير عن غضبه فى وجه من أهانه وأهان أهله. هو صحفى يعلم أهمية الإعلام فى تحريك وتوجيه الرأى العام والقرار السياسى، فأعطانا بحذائه فرصة ولكننا كالعادة غلفناها بالدموع والهتافات حتى اختفت عن أعيننا. الفرصة كانت استثمارا إعلاميا ضخما لكل رد فعل شعبى غربى. لعبة قذف رأس بوش على الإنترنت ظهرت فى أقل من 24 ساعة. وصفه أمريكيون بأسوأ رئيس على الإطلاق. طالب آخرون بمحاكمته كمجرم حرب.
وتمنى البعض لو كان منتظر استبدل نعل حذائه بنعل معدنى وأصاب بوش. كم مؤسسة إعلامية لدينا قرأت كل ذلك وحللته؟ من فكر كيف نستثمر ذلك حتى وإن كان عن طريق الإعلان المدفوع؟ هذا بعيد عن واقع أسلوبنا فى التعامل مع مثل هذه الأحداث ولكن هذا ما يجب أن يكون. لا لمحاكمة الزيدى إلا إذا رفضنا أنه رجل عربى لديه مشاعر ونخوة. نعم لمساندته فعلى كل محام أن يدافع عن الزيدى إذا أراد واستطاع ولكن لا لخلط المفاهيم فى أن نرى فيه بطلاً. لقد عبّر الصحفى العراقى عن غضبنا.. لا حلمنا. فلنخرج الحلم العربى من حذاء الزيدى ونعد للعمل لأهدافنا، كلٌ بسلاحه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة