خالد صلاح

المتحدث الرسمى للنائب العام

الجمعة، 26 ديسمبر 2008 12:53 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنت تلوم الصحافة، لأنها تخطئ فى تغطيات الجرائم الجنائية والمالية وقضايا الفساد السياسى والاقتصادى فى البلد، والصحفيون يلومون مصادرهم فى الشرطة، لأنهم يقدمون معلومات خاطئة، أو مبالغا فيها، أو يلونون التفاصيل لمصالح لا يعرفها أحد، والشرطة تقول إن الصحفيين هم الذين يبالغون فى وصف الجرائم، ويحبكون القصص بدراما خيالية لإثارة القراء ورفع معدلات التوزيع، والصحفيون فى المؤسسات القومية يرشقون زملاءهم فى الصحف المستقلة، والصحف المعارضة والمستقلة ترى أن كل ما يجرى ليس سوى تحايل لحجب المعلومات عن الناس.

والنتيجة أن الرأى العام يتوه فى التفاصيل، ويغرق فى فوضى المعلومات المتضاربة، والنتيجة أيضا أنه لا حقيقة واحدة يمكن أن نستقر عليها فى مصر، فأنت لا تعرف يقينا من قتل ابنة ليلى غفران وصديقتها، ولا تصدق رواية الشرطة فى واقعة مقتل سائق التوك توك فى الإسكندرية، ولا تعرف هل اشتعلت فتنة طائفية فى الصعيد بسبب خطأ أمنى، أم لخصومة عائلية أم لكليهما معا؟ ولا تطمئن لروايات الصحف القومية فى تبرير أسباب حظر النشر فى قضية هشام طلعت مصطفى، ولا يمكن أن تتفق تماما مع ما تقوله صحف المعارضة عن الحماية السياسية المفروضة على بعض أطراف جريمة مقتل سوزان تميم، كل التفاصيل مرتبكة وغامضة ولا أحد يستطيع حسم الحقيقة.

ربما تنعم بعض أجهزة الدولة بهذا المشهد المرتبك، حتى يبقى مناخ التراشق بالمعلومات، وأجواء التضليل المتبادل قائمة وراسخة وغنية، لإلهاء الناس عن مشكلات أخرى غير الخبز والماء والفساد والسلطة وملفات الأموال العامة، فأيهما أفضل للحكومة: أن يكون الحديث عن التقصير الرسمى فى إدارة ملف القمح الفاسد، أم فى قصة القاتل الحقيقى والقاتل الخفى فى مصرع ابنة ليلى غفران؟

الحكومة بلا شك تفضل أن يلهو الناس مع تفاصيل الجرائم، وبقع الدم، والبطون المنتفخة، والخناجر، وعلب الذهب المسروقة، والمطامع، وتراجيديا عالم البحث الجنائى، ومن ثم فإنه لا يوجد فى دولاب الجهاز التنفيذى للدولة من يهتم أصلا بمحاولات ضبط إيقاع الحقائق، أو تقديم معلومات جادة ومنضبطة عما يجرى، أو توحيد جهة الحصول على المعلومة، أو السيطرة على تصريحات رجال الأمن فى مواقع العمل، السلطة تنتفع من هذه الفوضى حتما، ومن ثم تحتفظ لنفسها بحق النقد أحيانا، لكنها لا تلزم نفسها بالحل.

الحل هنا فى خلق آلية لتقديم معلومات صحيحة للناس فى ملفات الجرائم المختلفة، وضبط علاقة هذه الآلية مع مختلف مؤسسات الإعلام فى المجتمع، إننى أتساءل مثلا: لماذا يستثمر النائب العام، وقضاة المحاكم سلطاتهم فى تطبيق قرارات حظر النشر فى الوقت الذى يستطيعون فيه إتاحة الفرصة، لإطلاع الإعلام فى الصحافة المكتوبة والتليفزيونية على المعلومات الحقيقية من خلال تعيين (متحدث رسمى)، يقدم التفاصيل أولا بأول للرأى العام، ويجيب عن أسئلة الصحفيين، ويفند ادعاءات المحامين، سواء من الدفاع أو الادعاء فى أى قضية، إن كانت هناك ادعاءات غير منضبطة، أو تسريبات مخالفة للحقيقة، نحن هنا نتحدث عن الاحتفاظ بالميزتين معا، حماية التحقيقات من التضليل، وتفادى إرباك الناس بتفاصيل مزيفة، فى نفس الوقت الذى نتفادى فيه التمادى فى قرارات حظر النشر.

فكرة المتحدث الرسمى، تمثل فريضة غائبة فى عمل الأجهزة القضائية فى مصر، رغم ما قد تمثله من سلاح فاعل لمقاومة الشائعات، التى قد تتفجر بعد كل قرار لحظر النشر، أو مع كل قضية متشابكة التفاصيل مثل حادثتى مصرع ابنة ليلى غفران، ومقتل سوزان تميم.

صحيح أن عمل النائب العام ووكلائه يحتاج إلى سرية فى إجراءات التحقيق، لكن من الصحيح أيضا أنه لا ينبغى إغفال لهفة الرأى العام على معرفة الحقيقة، أو تجاهل الأطراف المتعددة من أصحاب المصالح المتعارضة، التى لا تجد حرجا فى إطلاق معلومة ضالة، أو شائعة تجافى الدقة لتغيير مسارات التحقيق سرا أو علنا.

ظنى أن النائب العام، المستشار عبد المجيد محمود، يتحلى بشجاعة ابتكار مثل هذا الجهاز الجديد، لتوحيد مصدر إعلان المعلومات، ليضمن حماية المجتمع من الشائعات، وحماية الصحافة من التورط فى معلومات باطلة، وحماية التحقيقات فى قضايا الرأى العام من التداخلات والتراشقات المضللة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة