الفارق الزمنى القصير بين لقاء وزيرة الخارجية الإسرائيلية ليفنى مع الرئيس مبارك وموعد الهولوكوست الإسرائيلى فى قطاع غزة، الذى خلف وراءه مذبحة دموية بشعة عكس إحساساً لدى قطاع عريض من المصريين والعرب بأن مصر باركت المذبحة .. ساهم فى تعميق هذا الإحساس أمران، الأول ظهر خلال المؤتمر الصحفى الذى جمع بين ليفنى ووزير الخارجية المصرى أحمد أبو الغيط، الذى قالت فيه، وهى تقف بجانب الوزير، إن إسرائيل تنوى سحق حماس. بينما كان رد فعل الوزير المصرى على كلامها ابتسامة باهتة مستفزة سأمها الرأى العام فى مصر. الأمر الثانى أن ليفنى نفسها اعترفت بإبلاغ دول عربية، لم تحددها، بطبيعة وموعد الهجوم على غزة.
مذبحة غزة جاءت بمثابة اختبار قاسى للصحافة القومية المصرية، التى خرجت فى صباح يوم المذبحة بمانشيتات تتحدث عن "إسرائيل استجابت لنصائح مصر" مثل هذه العناوين أصابت المواطن المصرى بالإحباط والفزع بعد أن فهم مغزى النصائح المصرية .. قلوب ملاين المصريين تمزقت ألماً وحزناً وعجزاً، وهم يتابعون المجزرة التى ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطينى المعزول والمحاصر فى غزة.
المثير أن حماس تلقت المذبحة وهى صامدة ومتوقعة للمزيد من الضربات الإسرائيلية الموجعة، لكن المؤكد أنها لن تقف مكتوفة الأيدى، ووعدت الإسرائيليين بشتاء دام، خاصة أنها لم تعد تلتزم بأى تعهدات سابقة للتهدئة أو الحوار، وسوف تكشف الأيام القادمة عن طبيعة الرد الحمساوى على المذبحة.
الاستفزاز الحقيقى على مذبحة غزة جاء من واشنطن، التى أدانت حماس وطلبت من تل أبيب ضبط النفس، هذا الرد غير الإنسانى جعلنى أتخيل صورة الرئيس الأمريكى، المنتهية ولايته، بوش وهو يرقص على جثث أكثر من 200 شاب وطفل دفعوا حياتهم ثمناً فى مذبحة السبت، كما أن ردود الفعل العربية على المجزرة لا تختلف كثيراً عن الرد الأمريكى المتوقع، لكن الفارق أن رد الفعل العربى أخفى الشماتة من حماس وزرف دموع التماسيح على الضحايا ..
هوليكوست السبت الإسرائيلى فى غزة، جرى استثماره من جانب بعض القوى العربية، حيث حقق لبعض الأنظمة مكاسب سياسية عابرة، بينما خصم من رصيد ومكانة وتاريخ بعضها الآخر الكثير عربياً وإقليمياً، فمثلا إمارة صغيرة مثل قطر تحول فجأة أميرها إلى زعيم للأمة العربية، وأصبحت هذه الإمارة الصغيرة تقود العرب، حيث سعى العديد من الزعماء والملوك إلى أميرها طلباً للمشورة والنصح، بينما وسط هذه الدماء تناسى الجميع أن قطر الصغيرة ترتبط بعلاقات سرية وعلنية قوية مع إسرائيل وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة فى المنطقة العربية. وسط هذه الأزمة فكر كثير من العرب تغيير اسم إمارة قطر إلى دولة قطر العظمى.
فى المقابل اكتفت دول كبيرة بحجم مصر بفتح معبر رفح أخيراً ليس لتزويدهم بالمؤن والغذاء، بل لاستقبال من بقوا على قيد الحياة وهربوا بأعجوبة من جحيم النيران، حيث حملهم ذويهم إلى المعبر تحت قصف صاروخى متواصل من جانب قوات الاحتلال .. لقد جاءت المذبحة الإسرائيلية الأخيرة بحق الشعب الفلسطينى فى غزة بمثابة الصفعة أو البصقة الإسرائيلية على وجه الأنظمة العربية، التى اتجهت إلى قطر لتبحث لديها عن "كلينكس" لتزيل بقايا هذه البصقة والصفعات الأخرى المرتقبة بعد أن أصبح هذا زمن إسرائيل والصغار.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة