جمال الشناوى

الفتنه أشد من "جريمة" القتل

الأربعاء، 31 ديسمبر 2008 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليس للقانون رادار يميز الأديان.. فقط يحدد ملامح الجريمة، ويحدد العقاب ومدته.. لا فرق بين قاتل أو سارق مسلم وآخر مسيحى، حتى لو كان بلا دين، رئيس مباحث أحد أقسام الشرطة بشرق العاصمة قبل أسابيع تلقى بلاغا بممارسة اثنين للشذوذ فى موقف للسيارات بالقرب من قسم الشرطة.. وألقى القبض عليهما.. وأثناء كتابة محضر الشرطة لإحالتهما إلى النيابة، اكتشف الضابط أن أحدهما مسلم والآخر مسيحى.. فتوقف الضابط وكلف مساعديه بإبلاغ مباحث أمن الدولة أولا واستطلاع رأيها.. تصورا... شاذان يمارسان الفجور- حسب القانون فى الطريق العام- وهى جريمة يعاقب عليها القانون.

الحب أيضا يصنع الفتنة فى هذا الزمان، وبات الحب مثيرا للغضب، وباعثا للكراهية.. كل يوم تستقبل أقسام ومراكز الشرطة فى مصر قرابة 250 ألف بلاغ من مصريين، نسبة قليلة منها يكون طرفاها مسلمين وأقباط.. الغريب أن الشرطة أصبحت مضطرة للتعامل بحساسية مع تلك البلاغات.. الاحتقان التى يغذيه رجال دين متعصبون على الجانبين، جعل من قضية شاذ من هنا، أو لص من هناك، تكون باعثا للقلق الأمنى، فكثير من حوادث الفتنة كانت بسبب مشاجرة بين أطفال أو جارتين..

الأمن معذور، وهو يتابع أحداث تافهة لايجب أن تشغله، لكن الذى بات مثيرا للقلق هو لجوء أى من الطرفين إلى المرجعية الدينية سواء كان شيخا أم قسا، وتختفى سماحة الأديان من على الوجوه، ويتحول الخطاب إلى التعصب والحديث عن الآخر.. والسؤال هو من الآخر.. هل بات رجل الدين فوق القانون، ويحلم بإعادة مصر إلى مناخ مشابه لأوروبا فى العصور الوسطى التى كان يهمين فيها رجل الدين على رجل الدولة.. التى غابت وتراجعت.. إلى أن جاء زمن الثورة الصناعية وتفرغ رجال الدين لدورهم فى الإرشاد الدينى والروحى للناس.. مات شاب فى الأقصر وقالوا إن القاتل مسلم والقتيل مسيحى، ولجأ الأقباط إلى الكنيسة بدلا من الذهاب الى السلطة القضائية.. وتجمهروا بعد تشجيع من الكنيسة، التى دخلت فى سباق ومنافسة مع سلطة القانون ومؤسسات الدولة، وهى الأجدر بها ألا تنساق إلى منافسة مع شيوخ الفتنة.

ما حدث فى الأقصر..هو جريمة فى نظر الدين – أى دين- والقانون، وتم القبض على القاتل وإحالته إلى التحقيق، فلم يكن القاتل يهتم بدين القتيل أو شكله وحتى انتمائه السياسى.. فقط الغضب هو الفيصل، يأتى بعد ذلك توافر أداة القتل.... فأجيالنا لا تستحق أن تحترق نتيجة هذا السباق الأعمى.. السابقون يكرهون لأجيالنا أن تحيى فى طمأنينة، والغريب أنه فى كل الحوادث الطائفية التى يشعلها مشايخ وقساوسة الفتنة يتراجعون بعد شحن الشباب، ويتركوهم وقودا للمعركة المقدسة التى تهدم ولا تبنى.. وسيأتى يوما قريبا وقبل أن تحترق مصر، سيفقد فيه رجال الدين سطوتهم وسيتسببون فى أعظم الضرر للأديان التى ربما انصرف عنها الشباب والأجيال المقبلة.

مصر لا تستحق أن نتركها رهينة لهذه العقول الشاردة التى تحركها أنانية وشهوه السلطة، ولا الغيرة على الدين.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة