فاجأتنى زوجتى بطلب ترخيص سلاح نارى تحتفظ به أينما ذهبت .. طلبها شكل لى صدمة كبيرة, خاصة أننى أعرف أنها على خلاف دائم مع الفرارجى بسبب إصراره على ذبح الدجاج أمام عينيها، ولا تتحمل المشاهد السينمائية العنيفة وتتجنب رؤية مصابى الحوادث, وتكاد يغمى عليها إذا ذهبت إلى زيارة مريض فى مستشفى وتصادف وصول مصاب فى حادث .. كل هذا دار فى رأسى قبل مناقشة طلبها المثير.. لم تعطنى الفرصة للاستغراق فى التفكير .. قالت رأيت بعينى شباباً يختطفون سيدة تحت التهديد فى "توك توك" نهاراً بشارع فيصل وسط ذهول المارة الذين لم تحركهم صرخات استغاثتها ووقفوا صامتين أمام مشهد الاختطاف!! وماذا جنت ابنة الفنانة ليلى غفران وصديقتها عندما اقتحم "أهبل" شقتهما وقتلهما بدم بارد؟! وكيف تتعامل المرأة مع تنامى ظاهرة العنف الذى يمارس ضدها فى الشارع والعمل والمواصلات, حتى وهى داخل سيارتها الخاصة لم تنج من المضايقة ومحاولات التحرش.
ابتسامة لا إرادية ارتسمت على وجهى فشعرت زوجتى بالإهانة لعدم اكتراثى واستجابتى لطلبها والتعامل معه بجدية كافية .. دون جدوى حاولت إخفاء سخريتى من قلقها المبالغ فيه فردت على هذه السخرية بشكل عملى, وفوجئت بأنها تضع أمامى مجموعة من القصاصات الصحفية لحوادث التحرش فى الفترة الأخيرة .. تفحصت القصاصات جيداً .. عينى وقعت على نماذج لهذه الحوادث منها مثلاً ناظر مدرسة يعتدى على تلميذة 8 سنوات، وسائق ميكروباص يهتك عرض قاصر داخل سيارته، وكيل مدرسة يغتصب فتاة خرساء، ضبط موظف يحاول وضع يده على أماكن حساسة بجسد سيدة فى ميكروباص، المدرس "يواقع" تلميذة الابتدائى فى دورة المياه، ميكانيكى يغتصف طفلة فى ورشة بشبرا. الملف الصحفى تضمن أيضا ملخصاً لدراسة أعدها المركز المصرى لحقوق المرأة عن ظاهرة التحرش كشكل من أشكال العنف ضد المرأة.
الدراسة لخصت القضية فى أن التحرش لا يرتبط بسن معينة، لأن المتحرش لا ينظر للمرأة باعتبارها كبيرة أم صغيرة، محجبة أم غير محجبة، لأن ما يهمه هو أن تكون أنثى.
لفت نظرى فى الدراسة أن 55% من المتحرش بهن، تكتفين بـ"سب" المتحرش ولعنه وإكمال اليوم بشكل عادى, بينما تلجأ 13% إلى الشرطة وتبلغ عن الحادثة .. طبعاً هذا السلوك السلبى ترثه بناتنا ونساؤنا من طريقة التربية التى تتلقاها فى بيتها .. هذه التربية تقوم على أساس التعامل بطريقة سلبية مع مثل هذه الأمور، ومحاولة تجاوزها فى هدوء، ربما كانت المخرجة الشابة نهى رشدى الوحيدة التى تصرفت فيها فتاة بطريقة إيجابية مع قضية التحرش .. وهنا انتفض البعض واستكثروا على الفتاة موقفها الشجاع وخرجوا علينا بأن نهى إسرائيلية خائنة تنفذ مخططاً خارجياً لتشويه سمعة شبابنا!! ووصل الأمر إلى تصويرها بأنها جاسوسة مدسوسة زرعها الموساد الإسرائيلى فى قلب القاهرة.
أعود إلى زوجتى التى كانت ثائرة قلقة، فقد أبلغتنى فى تحدٍ أنها بدأت بالفعل هى وصديقاتها رحلة البحث عن طرق عملية لمكافحة المتسكعين ومحترفى مضايقة الفتيات والسيدات فى الشوارع.
بدورى وقفت حائراً عاجزاً أمام طلبها وثورتها بعد أن تذكرت أننا نحتفل هذه الأيام بعيد الأضحى المبارك, الذى يقترن فى أذهان شرائح عديدة من المصريين بظاهرة الانفجار الجنسى التى سبق وأثارت جدلاً إعلاميا واسعا بين حكوميين يبررون هذه الظواهر باعتبارها حالات فردية لا يجوز تعميمها وبين نشطاء يرصدون ويوثقون هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا.
طبعاً زوجتى تنتمى إلى فصائل المعارضة التى تعتبر أن أغلب شباب هذه الأيام ذبحتهم الأزمة الاقتصادية والبطالة والمشكلات المتنوعة وقتلت بداخلهم المرؤة والنخوة، بعض هؤلاء العاطلين وجدوا ضالتهم فى العدوان على المرأة ومضايقتها باعتباره نوعاً من التنفيث عما يعانونه من كبت وأزمات.
فهل أوافق على طلب زوجتى ومن ثم ندفع ثمناً باهظاً لشيوع ظاهرة المرأة المسلحة أم نبحث عن الخلل الذى أفقد المجتمع توازنه وحوله إلى غابة يأكل فيها القوى الضعيف؟.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة