فى آخر يوم من أيام العام الماضى، أسقط مجلس الشعب 14 استجواباً من نواب الإخوان والمستقلين ونواب الوفد، حول ارتفاع الأسعار، نوقشت جملة واحدة.
ورفض المجلس عقب المناقشة طلب سحب الثقة من رئيس الوزراء، منتقلاً إلى جدول الأعمال، بناء على طلب أعضاء من الأغلبية، ولم يختلف هذا الموقف عن مواقف سابقة فى مناقشة استجوابات أخرى، اللهم إلا فى عدم طلب بعض الأعضاء توجيه الشكر للحكومة عقب الاستجواب.
وواقع الأمر أن طلب استجواب الحكومة فى مجلس الشعب، رغم أنه من الأمور التى يقرها الدستور إلا أن ظروفه ترتبط بحالة الخلل فى التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ورغم تاريخية هذا الخلل، فلا يمكن لأى مراقب أن يتجاهل أن أمر الاستجوابات لم يعد كما كان عليه الوضع منذ نحو ربع قرن، وهنا يمكن بسهولة مقارنة استجوابات ممتاز نصار ومحمود القاضى وعلوى حافظ، القوية التى كانت تهز الحكومات ويستمر الواحد منها لعدة جلسات، باستجوابات نوابنا الأفاضل فى الوقت الراهن، ومقارنة بسهولة أيضاً حال مجلس الشعب وحكومات هذه الأزمان بمجلس الشعب الحالى والحكومة القائمة.
فاستجوابات اليوم لا ترقى إلا لمرتبة طلبات الإحاطة على أقصى تقدير، فلا المستجوب يقوم بطرح أفكاره بشكل واضح ومنهجى، ولا مصادر الاستجواب تتجاوز المعلومات المرسلة من هنا وهناك، ولا مطالب المستجوب ترتبط بالواقع، وإذا أضيف إلى ذلك استخدام بعض الأعضاء وسيلة الاستجواب بشكل مبالغ فيه رغبة فى الظهور أمام أبناء الدائرة، ومن ثم مناقشة المرتبط منها بموضوع واحد فى جلسة واحدة، لتحول المستجوب بامتياز إلى ما يشبه المهرج.
وحتى لا نظلم المستجوبين، فإن مجلس الشعب يتحمل جزءاً كبيراً من مسئولية حال الاستجوابات، فلجنة تنقية الاستجوابات تحولت لأداة سياسية لرفضها، كما أن المجلس بأغلبيته الآلية للحزب الحاكم، أصبح بمثابة هيئة برلمانية لهذا الحزب، لا هم لها إلا ضرب أى نشاط للمعارضة حتى لا تكسب أرضية لها فى الشارع بعد أن احتلت أكثر من خمس مقاعد المجلس، وقد عبر رئيس المجلس فتحى سرور عن هذا الخلل بقوله:" إن المعارضة تلوح بالعصا ولكن لا تستطيع أن تستخدمها بسبب الأغلبية".
ومما لا شك فيه أن الحكومات القائمة هذا الزمان تتحمل قدراً من المسئولية لضرب الاستجوابات، وهناك خمس حالات مميزة تمارس فيها الحكومة ضغوطها فى هذا الشأن، وبعض من تلك الحالات تقره لائحة المجلس: الحالة الأولى: منح الحكومة حق تحديد توقيتات وهمية لمناقشة الاستجوابات، خاصة أن الجميع يدرك أن دورة المجلس ستكون عندها قد انفضت. الحالة الثانية: رغبة الحكومة فى مناقشة الاستجواب المدرج بذات الجلسة التى طرح فيها، مما يربك المستجوب بشدة. الحالة الثالثة: قيامها بالتخلى عن مواعيد سبق أن اقترحتها لمناقشة الاستجوابات، سواء بتأجيل المناقشة، أو بعدم المناقشة حتى فض الدورة البرلمانية. الحالة الرابعة: تشجيعها نواب الأغلبية لوضع توقيتات غير محددة لمناقشة الاستجوابات، مثل تحديد توقيتات الاستجوابات منسوبة لشهر، أو إقرار مناقشة استجوابين شهرياً، بشكل يفترض أن مدة الدورة التى لا تتجاوز 7 أشهر ستصل إلى 70 شهراً! الحالة الخامسة: هى تمييعها لموضوع الاستجواب، بالإيعاز لأغلبيتها بتقديم أسئلة وطلبات إحاطة فى قضية الاستجواب، بما يساهم فى تعطيل طرح المستجوب لاستجوابه.
كل هذه الأمور يتوجب معها الآن ضرورة إنهاء التظاهر والاستعراض باستخدام المعارضة للاستجواب، وكذلك تخلص الأغلبية من مناصرة الحكم ظالماً أو مظلوماً على حساب موضوعات الاستجوابات الجادة، وأخيراً، إقلاع الحكومة فوراً عن الرغبة المستمرة فى الحصول على الإجماع مقابل الرضا بالأغلبية البسيطة، وذلك تمهيداً لقبولها بالهزيمة فى الاستجوابات التى سيقدمها ممثلو أبناء أبنائنا فى البرلمان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة