سامح فوزى

لماذا الصمت هنا... والغضب هناك؟

الخميس، 20 مارس 2008 07:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سؤال كثيراً ما يبحث عن إجابة: لماذا تتسامح الحكومة- نسبياً - مع الاحتجاج الطبقى، ولا نرى مساحة لهذا التسامح فى حالة الاحتجاج السياسى؟
موظفون احتجوا لأيام، ومواطنون اعتصموا أمام مجلس الشعب، وعمال يضربون فى كل مكان، جميعهم لا يواجهون "القوة الخشنة" للحكومة، فلا يرون عصا الأمن المركزى الثقيلة، أو الاتهامات السياسية المعتادة، أو الاعتقالات... المشهد برمته يتغير لو كانت المظاهرات أو الاعتصامات أو الإضرابات بهدف سياسى مباشر، يتعلق بالحكم وهيكليته مثلما فعلت كفاية، وأخواتها، وأبناؤها وبناتها فى العالم العربى.
الإجابة ليست عسيرة، الحكومة تتسامح مع من يبحث عن لقمة العيش، الخالصة، التى لم تنغمس فى السياسة، لكنها تضيق ذرعاً بالمطالب السياسية، حتى لو كانت تهدف فى النهاية إلى لقمة العيش. بواعث الاحتجاج الاجتماعى معروفة، تتعلق بالحياة الكريمة، أما بواعث الاحتجاج السياسى - فى رأى الحكومة - ليست خالصة لوجه الله، حتى لو رفعت شعار الحياة الكريمة. مع الأولى تتسامح، ومع الأخرى تتجبر.
حركات الاحتجاج الاجتماعى مطالبها تعنى انتهاءها، أما حركات التغيير السياسى فقد رفعت شعارات تجعل انتهاءها "فرض واجب" على النظام الحاكم إذا أراد أن يعيش. هنا تبدو المعضلة، القضية لا تتعلق بدعم أو رغيف العيش أو بحافز ينتظره العمال، لكنها بالنسبة للسياسيين تتعلق بالحكم ذاته. من هنا لم يكن مستغرباً أن يشتد الحصار على حركة "كفاية"، وأخواتها فى العالم العربى من حركة إعلان دمشق فى سورية، إلى هيئة 18 أكتوبر فى تونس. الجميع بدأ بظرف خارجى، وانتهى بإحباط داخلى.
فقد استفادت الحركات العربية المطالبة بالتغيير الديمقراطى فى نشأتها من ظرفين أحدهما دولى استثنائى عامى 2004م و2005م، ظهر فى اتجاه تشجيع التحول الديمقراطى فى المنطقة العربية، وكان من أبرز الأطراف الدولية الداعمة له الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة. والظرف الثانى محلى يختلف من دولة عربية لأخرى. فى مصر نشأت حركة "كفاية" عام 2004م وسط شعور عارم بين قوى المعارضة السياسية بأهمية التغيير الديمقراطى، وعدم وجود خطوات ملموسة للإصلاح السياسى على أرض الواقع وقتئذ، فضلاً عن قرب الانتخابات البرلمانية والاستحقاق الرئاسى عام 2005م. وفى سوريا ظهر "إعلان دمشق" إلى الوجود فى 16 أكتوبر 2005م، فى وقت اشتد الحصار الدولى فيه على النظام السورى، متمثلاً فى صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559، ثم خروج القوات السورية من لبنان، فضلاً عن أن تداعيات اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى رفيق الحريرى. وفى تونس نشأت "هيئة 18 أكتوبر" فى ظل ظرف استثنائى محلى يتمثل فى تنظيم الجزء الثانى من القمة العالمية لمجتمع المعلومات فى الفترة من 16- 18 نوفمبر 2005م، وقد سعت المعارضة إلى الإفادة من الزخم الإعلامى والاهتمام السياسى الذى رافق الحدث فى توجيه دفة الاهتمام إلى قضية الديمقراطية. وفى الواقع لم تختلف المعارضة التونسية عن المعارضة السورية فى إحساسها بأن اللحظة الديمقراطية القصيرة التى أعقبت التغيير السياسى فى سوريا عام 2000م، وفى تونس عام 1987م لم تعد قائمة، وسط تلاشى الأحلام بقرب تحقيق تحول ديمقراطى.
وأدى نشوء حركات التغيير الديمقراطى العربى - فى البداية - إلى لفت انتباه "مفاجئ"، من جانب الإعلام. ويذهب بعض المراقبين إلى أن الزخم الإعلامى المكثف والمفاجئ الذى أحاط بحركات التغيير فى مهدها أضر بها أكثر مما أفادها. لفتت "كفاية" انتباه كثيرين فى الداخل والخارج. وفى تونس أعلن عدد من الشخصيات السياسية والحقوقية إضرابا عن الطعام عقب إصدار بيانهم فى 18 أكتوبر 2005م، بهدف جذب الانتباه قبل عقد قمة المعلومات الدولية بنحو شهر، وهى الفترة التى اشتد فيها عود حركة "كفاية" فى مصر وشكلت بالنسبة للمعارضة التونسية "قوة دفع". وحقق الإضراب هدفه فى علاقته بالقمة، من خلال لفت انتباه وسائل الإعلام إلى مكتب المحامى العياشى الهمامى، حيث أقام المضربون عن الطعام، وزارهم عدد من الشخصيات الحقوقية المحلية والدولية للتعاطف معهم، فى مقدمتهم المحامية الإيرانية شيرين العبادى الحائزة على جائزة "نوبل" والسيد سيديكى كابا رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان الأسبق. وبعد أن حقق الإضراب عن الطعام أهدافه أعلن المضربون يوم 18 نوفمبر فى ندوة إعلامية حاشدة إنهاء الإضراب، والتأكيد على أهمية فتح حوار وطنى حول القضايا الأساسية بهدف بلورة مشروع بديل ديمقراطى يكفل لجميع التونسيين التعايش فيما بينهم آمنين على حقوقهم وحرياتهم الأساسية. وبعد أيام، وبالتحديد فى 4 ديسمبر 2005م، أعلن عن تأسيس "هيئة 18 أكتوبر" للحقوق والحريات.
ورغم هذا الزخم، فإن هذه الحركات حملت عوامل انكسارها. فقد اتسمت بالنزوع نحو تشكيل ائتلافات سياسية واسعة، تضم بين طياتها ألوان الطيف السياسى والحزبى، وتبحث عن مطالب إصلاحية عريضة تجمع عليها كل القوى السياسية. مثل هذا عاملاً من عوامل الضعف خاصة حين طفت الخلافات السياسية والأيديولوجية على السطح، لاسيما أن هذه الحركات بنيت على تحالفات "هشة"، تتجنب طرح التساؤلات الإشكالية، والتى أسهمت فى تمزيق أوصالها فى مرحلة لاحقة خاصة بعد تراجع البريق الإعلامى عنها وأبرزه السجال "المدنى - الدينى"، ولم تستطع - بشكل عام - أن تجتذب قطاعات واسعة من الشباب. كل ما فعلته هو إعادة إنتاج نخب سياسية معارضة لها حضور فى الساحة السياسية منذ سنوات طويلة. وساعد على انزوائها تغير الظرف الدولى المشجع على الديمقراطية فى العالم العربى مع انتهاء عام 2005م، بصعود حركة حماس فى فلسطين، وتفكك المشهد العراقى على نحو غير مسبوق، فضلا عن تغير المعادلات السياسية المحلية فى بعض الدول مثل لبنان.
المجتمع يحتاج إلى نضج، وقد يكون مدخل النضج اجتماعياً أكثر منه سياسياً. هل يمكن التفكير فى ذلك؟






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة