فور صدور تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن "حقوق الإنسان"، والذى وضع سوريا ضمن الدول التى تنتهك "حقوق الإنسان". ردت دمشق بأن الولايات المتحدة هى آخر من يحق له الكلام عن حقوق الإنسان، خاصة أن سجلها الحافل بأبشع الانتهاكات لا يزال يثقل الضمير البشرى فى بقعتين حالكتى السواد وهما - على سبيل المثال لا الحصر - معتقل أبو غريب سىء السمعة وكذلك معتقل جوانتنامو الذى لا يلطخ جبين "زعيمة العالم الحر" فحسب بل جبين البشرية كلها بالعار والفضيحة - وقد دأبنا نحن العرب على النظر، حتى لا أقول التطلع، دائمًا لمن هم أسوأ منا فى جميع المجالات.. فإذا انهارت عندنا بناية بحثنا عن انهيار بناية أكبر منها، فى أى بقعة من بقاع الكرة الأرضية.. وإذا اشتعلت أسعار المواد الغذائية، أمسكنا بالقوائم العالمية لكن طبعًا دون أية إشارة إلى تدنى الدخول عندنا بما ليس له نظير فى العالم، وإذا نبهنا أحد إلى خطورة تلوث المياه والهواء اتجهت أصابعنا بالإشارة إلى التلوث فى أماكن أخرى.. وكان يمكن أن "نتفهم" هذا الأسلوب فى "معالجة" السلبيات لو أن أبصارنا اتجهت أيضًا نحو النجاحات والنظام واحترام القانون وكذلك احترام الإنسان وحقوقه فى الدول التى تتمتع بهذه النعم..
وأتصور لو أن سوريا مثلاً كانت خالية من السجون والمعتقلات، هل كان بوسع الخارجية الأمريكية أن توجه إليها أية انتقادات؟.. ونفس الشىء ينطبق على الأغلبية الساحقة من الدول العربية والدول الإسلامية.. ففى إيران أجريت الانتخابات التشريعية!. وأكد المسئولون هناك أنها كانت انتخابات نزيهة لا تزوير فيها.. ولكن ما لم يقله المسئولون الإيرانيون هو أن "لجنة المراقبة" المرتبطة بمجلس صياغة الدستور، والتى يسيطر عليها المحافظون قد أقصت عن المنافسة، أو بالأحرى، "طهرت" قوائم المرشحين من كل العناصر الإصلاحية التى تختلف مع توجه الحكم القائم، أى أن السلطات "شفت" القوائم، ليس بمعنى الشفافية ولكن بمعنى تنقيتها من كل من تتوفر له فرصة النجاح فى الانتخابات، وهو سلوك لا يجوز بأى حال من الأحوال إلى حكم يصف نفسه "بالحكم الإسلامى" وإلا لكانوا قد عرفوا أن الإسلام يأمر بأن يكون الأمر شورى بينهم، لكنها الوصاية القاتلة التى يدعيها كل حكام بلاد العالم الثالث، وإذا انتقدت جهة ما هذا النهج الاستبدادى والذى يشوه إرادة الشعوب، انبرت الأصوات تتهم المختلفين معهم "بجواسيس الأمريكان" إلى آخر قائمة الاتهامات الأزلية التى جعلتنا فى ذيل الأمم، وأسهل شىء أن يكون دفاعنا هو "لا تعايرنى ولا أعايرك ده الهم طايلنى وطايلك"!! أما تقرير الخارجية الأمريكية فهو يصدر أحكامه وفق "المصالح القومية الأمريكية"، وإلا فليفسر لى أحد أسباب عدم ورود باكستان وإسرائيل وحتى العراق الذى تحتله الولايات المتحدة وتُرتكب فيه أشد المآسى والكوارث إيلاما حيث لا يمر يوم دون سقوط عشرات القتلى فى الدول الثلاث، ولماذا استبعدت الصين مثلاً إلا لحسابات دقيقة المسألة باختصار أن الكل يتاجر "بالإنسان" الذى كلما قطعت ثورة التكنولوجيا شوطاً اشتدت وطأة انتهاك حقوقه بل وآدميته ولكن والحق يقال بوسائل أكثر حداثة"، وبغض النظر عن أحوال أوطاننا التى لا تسر فيما يتصل بسجل حقوق الإنسان، فإن الوصف الوحيد الذى أراه مناسباً لتقرير الخارجية الأمريكية هو أن "الشيطان يعظ"، وكيف لا وهو يعتبر مذابح غزة، آسفة، محرقة غزة، حقا لإسرائيل، حق دفاع عن النفس؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة