إخوان مصر غاضبون، ثائرون، ساخطون، يهددون الدكتور عصام البشير وزير الأوقاف السودانى السابق، بالويل والثبور وعظائم الأمور عقاباً على جريمته الخطيرة بحق الجماعة بعد أن هاجم شعارهم السحرى "الإسلام هو الحل"، فحق عليه اللعنات ووجب فضحه وتجريسه وفتح دفاتره القديمة مع الجماعة وعلاقاته بقادتها التاريخيين .
البشير تعرض لموجة من النقد الإخوانى الشديد حين وجه انتقادات لاذعة لشعار الجماعة الانتخابى، أثناء مشاركته فى ندوة عقدتها جمعية "مصر للحوار والثقافة" بالقاهرة مؤخرا تحت عنوان "سمات الخطاب الإسلامى المعاصر".
ما قاله الدكتور البشير، خصوصاً فيما يتعلق بأن الشعار يضع مسلمى الغرب فى مأزق، بين تطبيق استحقاقات المواطنة وممارسة دينهم، وفق السقف القانونى المتاح فى تلك البلدان، و يفتح باباً لخصوم الإسلام لتوجيه سهامهم للدين الإسلامى، فإذا فشل مشروع حزبى يحمل هذا الشعار، يحوله خصوم الإسلام فورا إلى قصور ينسب للدين نفسه، ومن بين ما قاله البشير أيضا "إن واقع الأمة يحتاج إلى إعمال فكر واجتهاد يزاوج بين الأصول الشرعية والنظرة الواقعية، وذلك من خلال تقديم نموذج لفقه البدائل يترجم من خلال الاجتهاد فى إعداد برنامج عملى مدنى، على أساس أن العبرة بالمضمون والجوهر لا بالاسم والمظهر" ..رأى الدكتور البشير الجرئ والهام رغم كونه يصب فى مصلحة الأمة على المدى البعيد ويدخل ضمن النقد الذاتى لفكر الجماعة ويخرجها من حالة العزلة مع الواقع الذى يعيشه العالم، إلا أنه فتح عليه أبواب جهنم، مع أن الدكتور عصام البشير صاحب تاريخ معروف فى جماعة الإخوان على مدار أكثر من 30 عاماً ويعد أحد كوادر حركة الإخوان العالمية، لكن بمجرد إعلان رأيه القنبلة فى القاهرة تفجرت على الفور أنهار الغضب الإخوانى وصبوا جام غضبهم على رجل الجماعة ..عاصفة الغضب الإخوانى دفعت الدكتور البشير إلى التخفيف من رأيه وطالب الصحيفة الخاصة ومواقع النت التى نشرت رؤيته العمل على تخفيفها ...هاتف الدكتور البشير الدولى لم يتوقف عن الرنين وتلقى الرجل سيلاً من رسائل السب والقذف والتهديد من بعض المتعصبين الذين طالبوه بالاعتذار، بينما هدده البعض بنشر تسجيلات صوتية نادرة تكشف رؤيته لنفس القضية ودفاعه المستميت فى السابق عن شعار الإخوان مما تسبب فى منعه من دخول بعض الدول من بينها مصر، فريق آخر اعتبره مرتداً عن فكر الجماعة واشترى الدنيا بالآخرة بعد أن شغل منصب الأمين العام للمركز العالمى للوسطية فى الكويت، فيما رأى فريق آخر أن موقفه مجرد محاباة للغرب وركوب موجة أعداء المسلمين باعتبارها الموجة والموضة الطاغية هذه الأيام..
أمام كل هذه الثورة الإخوانية اضطر البشير إلى إغلاق جميع تليفوناته وطلب من مسئولى الفندق عدم تحويل أى مكالمات هاتفية إلى غرفته، وظل حبيساً داخلها حتى انتهت زيارته وغادر القاهرة.
ما حدث مع الدكتورالبشير يعد بروفة فاشلة فى تعامل أتباع الجماعة مع الديمقراطية وحرية الرأى والفكر، ويكشف عن أزمة يعانى منها بعض الإخوان خلال تعاملهم مع غير المنتمين إليها، فإذا كان الإقصاء والتخوين والتكفير هو أسلوبهم مع المنتمين للجماعة والمخلصين لها من أمثال الدكتور عصام البشير، كيف إذاً سيتعاملون مع المعارضون لأفكارهم وما هو مصير خصومهم السياسيين أو المختلفين معهم فى الرأى؟
أتصور أن محاكمة الدكتور البشير تثير الكثير من القلق لدى من يعتبرهم بعض المنتسبين للجماعة "أغيار" ممن لا ينتمون لها، كما تفتح الباب أمام ضرورة مراجعة الكثير من فكر الإخوان ودعوة قادتها إلى تعديل رؤيتهم وتدريب كواردها على كيفية التعامل الرشيد مع المسلمين وغير المسلمين بما يتماشى مع روح الإسلام السمحة التى لا تعادى ولا تحتقر ولا تقصى ولا تقلل من شأن الآخرين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة