"نحن قوم لا نقرأ تاريخنا" بهذا قال مراراً الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل وبهذا ينطق الواقع الذى نعيشه والمتأمل لتداعيات إعداد القوائم فى الانتخابات المحلية تم فى سير العملية الانتخابية لاحقاً سوف يضع يده بالقطع على هذا الجرح الديمقراطى الدامى فى جسد مصر المحروسة.
فمثلاُ لو تذكرنا جريمة الرئيس السادات فى حق مصر وشعبها عندما راهن على الجماعات الإسلامية فأخرجها من القمقم ليواجه بها الشيوعيين لأدركنا ـ على الفور ـ أن النظام السياسى الحالى فى مصر قد ارتكب الجريمة نفسها عندما ضيق الخناق ـ أكثر من اللازم ـ على جماعة الإخوان المسلمين فناصبها العداء ورصد تحركات أفرادها ليل نهار واستخدمنا جملة " أبلسة" تصورها شيطاناً أو إبليساً فى عيون الناس، وسعى إلى ذلك بالحق وبالباطل كل واتبع طرقاً مشروعة وغير مشروعة فجاء بتيجة عكسية كان من بينها أن حصل هؤلاء على 88 مقعداً فى مجلس الشعب مع أن القاضى والدانى يعلمان أن هذا الفوز الإخوانى لم يأت حباً وتشيعاً للإخوان وإنما تعاطفاً وربما انتقاماً من سلطة رآها البعض ظالمة.
خطأ السادات أنه لم يدرك خطورة اللعب بالنار فكان كل همه أن يقزم دور الحركة الشيوعية المعدية ففتح الباب على مصراعيه أمام الإسلاميين (من الغلاة والمتطرفين) ليزيحوا فى طريقهم الكفرة والملحدين والشيوعيين ولم ينتبه إلى أن حاله أشبه بحال من داوى الجرح بجرح آخر أكثر عمقاً وإيلاماً والنتيجة أنه دفع حياته ثمناً لعناده وقصر نظره السياسى ـ والدليل على ذلك أن شوكة الجماعات الإسلامية قويت وقويت حتى أصبحت نافذة ومتغلغلة فى كافة الأوساط وجريمة النظام السياسى الحالى وتحديداً "الحزب الوطنى الحاكم" هى أنه خلق حالة من الفوبيا من جماعة الإخوان جعلته يتوحبس من الجميع وتقشعر أبدانه من مجرد ذكرها خشية أن يتكرر فى الانتخابات المحلية ما سبق أن حدث فى الانتخابات التشريعية ويسيطر الإخوان على الوحدات القاعدية والمحلية ويكون ذلك بداية لعد عكسى للحزب الوطنى وصعود سريع بحركة الإخوان .. ولكن تتضح الفكرة التى نتحدث عنها أريد أن أقول :إن جماعة الإخوان محظورة فعلاً لا قولاً، وينظر إليها الناس من منظور الشك والريبة، وهدفها الأسمى ـ وهو الاستيلاء على السلطة – لا يغيب عن الأذهان ولا يتمنى مصرى عاقل أن يجلس هؤلاء النفر على مقاعد الحكم.
وللإنصاف يجب أن نذكر أن ما يريده الناس العاديون هو ذاته ما يريده الحزب الوطنى وجميع القوى الوطنية فى مصر المحروسة، لكن المنهج الذى اتبعه الحزب بوصفه الحزب الحاكم فى محاربة الإخوان جاء بمردود عكسى، فبدلاً من أن يبتعد الجمهور عن الإخوان، تعاطف معهم وأيدهم وإن كان بحذر شديد لأسباب عديدة منها أن الإخوان ظهروا بمظهر المضطهد الذى يتعرض للمؤامرات والزج فى السجون، وتكميم الأفواه، والملاحقة أثناء الليل والنهار- وبدوا فى عيون الناس أبرياء من تهم كثيرة سعت الآلة الإعلامية الحكومية إلى إلصاقها بهم بالحق وبالباطل لكن الأهم أن الناس فى بلادى، لم يجدوا بجوارهم من يخفف أزماتهم، ويطيب أوجاعهم فى محنة إنفلونزا الطيور – مثلاً ـ سوى جماعة الإخوان .. التى شمر نفر منها عن سواعدهم ودفنوا مع الأهالى الطيور النافقة ـ وواسوهم فى مصابهم (ومعظمهم من الفقراء والمعدومين) بينما كان أعضاء الحزب الوطنى ينعمون بالمياه المثلجة، والأجواء المكيفة داخل المكاتب .
وكان طبيعياً أن يدرك المواطن العادى الفارق بين "المشارك" من ناحية، و"المتفرج" من ناحية أخرى.. فالأول كان الإخوان. والثانى كان الحزب الوطنى لذلك فاز الإخوان بمقاعد كثيرة فى مجلس الشعب ومثل ذلك صدمة للحزب والقائمين فارتعدت فرائصهم من الصدمة خوفاً من النتيجة وما سيليها من تداعيات ونتائج فرعية وهنا تجلى الخطأ الأكبر الذى وقع فيه الحزب عندما جيش نفسه ونفر من أتباعه، ودأبت أبواقه الدعائية (ولا أقول الإعلامية) على خلف حالة (الفوبيا) التى أشرت إليها فى بداية حديثى...فأصبح الإخوان ـ ولا أحد غير الإخوان ـ هو مصدر الخطر الذى سيجرف أمامه الأخضر واليابس ولذلك حفلت عملية إعداد القوائم للانتخابات المحلية بمغالطات وأخطاء جسيمة بدا فيها الحزب الوطنى وكأنه فقد وعيه وشرع يوجه ضرباته، للقريب والبعيد، للمنتمى وغير المنتمى.. وعالج الأمر بمنطق (الأخذ بالشبهات) فاستعدى الحزب على بعض البعض، وأزاح الكثيرين من أبناء الوطنى أخذاً بالأحوط، فكانت النتيجة أن افتضاح أمر الحزب الحاكم ، الذى رآه البعض أشبه بالنبى سليمان الذى مات منذ زمن وهو يتوكأ على عصاه.. ولم يعرف أمر موته إلا بعد أن نخر السوس خشب العصا، فكأن قوائم الانتخابات المحلية هى العصا الخشبية (الحزبية) التى كشفت المستور والمؤلم فى آن واحد وهو أن الحزب الوطنى هش، وأضعف من أن يحكم بلداً (بحجم مصر) والسبب فى رأيى هو فوبيا الإخوان التى وضعها الحزب ليفعل بها شيئاً .. ولم يكن يتصور أن يفلت زمام الإخوان من يده .. ولم يحسب ماذا ينبغى عليه أن يفعل فى حال انقلب السحر على الساحر وهو ما حدث بالفعل ؟!
يبقى أن نذكر أن الحزب الوطنى ـ وحده ـ هو الذى يتحمل مسئولية إجهاض الديمقراطية، والخروج بحالة الحراك السياسى التى تعيشها مصر فى السنوات الأخيرة بعيداً عن دوائرها الصحيحة .
وكان بالإمكان استغلال كراهية الناس للتطرف الإخوانى عبر طريقين الأول الهبوط إلى الشارع ومخالطة الناس، والثانى فضح مطامح الإخوان فى مقاعد السلطة .. لكن ما حيلتنا والحزب الميمون قد فقد عقله ؟!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة