زمان قال العاشق الولهان: "يا حلو قولى طبعك وأنا امشى عليه". والمعنى أنه قبل أن يكشف الحلو عن طبعه فلا يجوز العتاب، أو الحساب، أو العقاب، إذ يعد من الظلم البين للعاشق أن يعاقب على مخالفة شىء لم يعرفه، لاسيما إذا كان هذا الشئ لا يعرفه الحلو ذاته.
قبل أيام، وبينما كان من المقرر سلفاً، وحسب ما جاء فى جدول الأعمال، أن يوافق المجلس الأعلى للصحافة على الترخيص لعدد من الصحف الجديدة، فإذ بنقيب الصحفيين يطالب الحضور الكرام بإرجاء الموافقة، إلى حين أن توافق هذه الصحف على ضمانات حقوق الصحفيين العاملين فيها.
كلام جميل بلا شك، وقد نزل على قلبى برداً وسلاماً، لأننى من الأجراء فى بلاط صاحبة الجلالة، ودعائى إلى الله أن يعشنى محرراً، وأن يمتنى محرراً، وأن يحشرنى فى زمرة المحررين. إذ ليس من المقرر أن أكون من ملاك الصحف، فى الآجل المنظور، إلا إذا " تكعبلت" ذات يوم فى كنز، من أيام الفراعنة، وإلى أن يحين الحين، و" اتكعبل" فى الكنز، فأنا هنا، بحكم الانتماء الطبقى، منحاز للصحفيين، وضد ملاك الصحف، ومع أى تصرف من شأنه أن يأتى لنا معشر الأجراء بحقوقنا من " نن" عيونهم!.
لكن المشكلة تتمثل فى أن السيد النقيب لم يحدد ما هى الضمانات التى يريدها، فقد اكتفى فى رسالته التى تمت تلاوتها فى اجتماع المجلس الأعلى للصحافة، بسرد المشكلات التى تعرض لها الصحفيون فى بعض الصحف، والتى على أساسها تحرك ليطلب ضمانات، لكن ما هى هذه الضمانات المطلوبة؟ ..الله اعلم!.
ومن هنا فإن طلب الإرجاء، إلى حين البحث العميق، عن الضمانات، يصدق عليه قول القائل: أراد أن يغيظ زوجته فخصى ـ ولامؤاخذة ـ نفسه. ذلك بأن طلب نقيب الصحفيين نتج عنه أن وافق المجلس على الإرجاء، إلى حين يتفضل صاحب الطلب بوضع الضمانات، وأزعم، وازعم أن زعمى يقين، أن النقيب لا يوجد عنده تصور بهذه الضمانات.
ما جاء فى طلب الإرجاء من حيثيات، هو خاص بصحف حزبية وحكومية، والصحف التى من المقرر أن يوافق لها المجلس على الترخيص، تنتمى إلى فصيلة الصحف الخاصة، وهى من ساهمت فى رفع سقف رواتب الصحفيين.. أتحدث عن القاعدة، لا الاستثناءات، التى تسير على هدى الصحف الحزبية والحكومية.
مكرم محمد أحمد (الألقاب كما المقامات محفوظة) قال إن هناك صحفاً أجبرت المحررين على التوقيع على قرارات الاستقالة، فى ذات اللحظة التى وقعوا فيها على قرارات التعيين.. وهذا صحيح!.
وما لم يقله النقيب إن هناك صحفا يعمل فيها المحررون بالسخرة، فلا يتقاضون أجراً، فهم منذ البداية يوافقون على هذا، حتى يحصلوا على خطابات لقيدهم بالنقابة، وعندما يقيدون فى جدول " تحت التمرين"، فإنهم يستمرون فى أعمال الخدمة فى البيوت، حتى يحصلوا على خطابات بقيدهم فى جدول الصحفيين المشتغلين، وبعد هذا يواصلون مهمة العمل التطوعى، حتى يضمنوا استمرار حصولهم على بدل التدريب والتكنولوجيا، وهو إذا كان لا يكفى مشاريبا فى كافتيريا النقابة لشخص واحد، فإنه يعد مبلغاً عظيما بالنسبة لهؤلاء.
وليس خافياً على أحد، أن من الزملاء من دفعوا الجزية عن أيديهم وهم صاغرون للسادة أصحاب الصحف، حتى يمنحوهم خطاب القيد بالنقابة، الذى تصر عليه، كشرط أساسى وأصيل فى عملية القيد، وهو شرط لم ينص عليه القانون، ولا اللائحة، مع أن بفضله التحقت السكرتيرات، ورجال الأمن، وعابرو السبيل، بنقابة الصحفيين ليشكلوا جزءاً أصيلاً من بنيان جمعيتها العمومية، وبعضهم يخطأ فى الإملاء، فيكتب نحن .. نحنو.. ولكن.. لاكن.. أى ورب الكعبة!
النقابة عندما لا تكتفى بالتقييم الموضوعى لإنتاج الصحفى، والتحقق بنفسها من احترافه المهنة كشرط للقيد، فإنها تساهم فى تكريس أعمال السخرة، وفى الحصول على الخطاب بمقابل نقدى، وهو أمر يحدث فى بعض الصحف الحزبية الصغيرة، ولا يحدث مثلاً فى صحف الأحرار، والوفد، والشعب، قبل إغلاقها، ولم يحدث أيضاً فى الصحف الخاصة.. أتحدث عن القاعدة!.
وقديما قيل: من رماك على المر؟.. قال: الأمر منه. فإذا كانت النقابة مسئولة عن هذا الوضع المختل من ناحية، فإن التوقف عن إصدار صحف جديدة، كان سبباً فى شيوعه، فلو توفرت البدائل الجادة، لما وقع الزملاء فريسة فى يد عصابات تجارة الرقيق، من أحزاب منحتها السلطة ـ دون غيرها ـ الرخصة، وجعلت لهم الحق فى إصدار صحف، تصدر فقيرة، بشكل جعلنا فى مؤخرة الأمم فى مجال الإعلام.
إن الحل، فى حرية إصدار الصحف، وليس فى التفكير عن ضمانات متعسفة، لن تضمن حقاً، ولن تصون كرامة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة