فى مرحلة الثانوى كان لنا مدرس تاريخ اعتاد أن يردد على مسامعنا بيت شعر للمتنبى يقول فيه: "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم"، المدرس كان يستدعى هذا البيت كلما فشل طالب فى الإجابة على سؤال بديهى فى التاريخ ..تذكرت المدرس وبيت الشعر وأنا أتابع المسار الذى آلت إليه قمة دمشق الأخيرة وما صاحبها من صخب تبادلت خلاله سوريا الاتهامات مع عدد من الدول العربية التى تعمدت إضعافها عن طريق تخفيض تمثيلها فى القمة إلى درجة سفير أو وزير غير مختص..
فهل كان الدور السلبى لسوريا فى معالجة أزمة اختيار رئيس توافقى للبنان هو السبب الوحيد وراء محاولات عزلها عربياً ؟ أظن أن هناك أسباباً عديدة بعضها خفى وبعضها الآخر يتعلق برؤية بعض العواصم العربية الرئيسية التى تعتقد بانتهاء صلاحية دمشق كشريك عربى حيوى على خلفية تحالفها مع طهران.
مع ذلك فإن قمة دمشق عادت بالعلاقات العربية العربية نصف قرن للوراء عندما كانت فى العالم العربى جبهات متناحرة وصل بها الأمر إلى حد المصادمات العسكرية.
أتوقع أن تسعى دمشق للانتقام ممن حاولوا إضعافها عبر بعث روح العروبة التى ماتت فى نفوس العرب من خلال محورين: الأول العمل على مزيد من التعاون مع إيران "الشيعية " التى تصورها بعض الدول العربية على أنها العدو المرتقب للأمة العربية فى الوقت الحالى..
أما المحور الثانى المتاح أمام النظام السورى فهو إعادة ترويج مصطلحات التخوين والعمالة والتبعية والتآمر والرجعية..رغم إدراكها أن هذه المصطلحات اندثرت وفقدت تأثيرها العاطفى على المواطن العربى منذ نكسة 1967، أتصور أن دمشق سوف تجد بين بعض الأنظمة العربية من يصغى إليها وربما يتحالف معها، ليس من باب الإيمان بخطابها القومى "الكلاسيكى "بقدر ما ترى تلك العواصم أنه يخدم مصالحها الداخلية، باعتبار أن مجرد تأييدها لدمشق فى حد ذاته يمثل فرصة لدغدغة مشاعر مواطنيها التى تحن لحضن العروبة الدافئ بعد أن جرفتها تيارات العولمة وتركت "الأمركة "خرقاً اتسع على الراتق.
واقع عربى جديد سوف تتبلور ملامحه فى ضوء نتائج القمة الأخيرة ..الواقع الجديد يكشف بوضوح أن العالم العربى فى طريقه إلى الانقسام لمحورين: الأول عروبى تقوده سوريا وتدعمه إيران بقوة و تأمل سوريا أن يشمل كلاً من قطر وفلسطين واليمن والسودان وربما لبنان والجزائر والمغرب.
أما المحور الثانى المتحالف مع الولايات المتحدة فتأتى السعودية ومصرفى مقدمته، ويضم الأردن والبحرين والمغرب.
على كل حال، الأمر الوحيد الذى خرجت به القمة هو بدء مرحلة غروب الحلم العربى والاقتراب أكثر إلى تحقيق مقولة المتنبى بعد أن أصبحنا أمة "تضحك من جهلها الأمم".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة