سامح فوزى

الأقباط مواطنون متنوعون أم كتلة صماء؟

الأربعاء، 16 أبريل 2008 06:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى كل مناسبة انتخابية يظهر الأقباط كتلة سياسية واحدة تقف خلف الحزب الوطنى الديمقراطى، آخرها بالطبع الانتخابات المحلية. تدعوهم القيادات الكنسية إلى ذلك، ويشعر الأقباط أن التعلق بأهداب الحزب الحاكم هو الآمان، كل الآمان بالنسبة لهم.
ويشير مجمل ما قرأت من تصريحات وتعليقات لقيادات كنسية أن قرارهم بتأييد الحزب الوطنى، وبعضهم ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى تأييد انتخاب السيد جمال مبارك لرئاسة الجمهورية، مبعثه أمران:
الأول: أن الحزب الوطنى معتدل إذا قورن بجماعة الإخوان المسلمين. والثانى: أن أحزاب المعارضة، خاوية ضعيفة، لا وجود لها فى الشارع. نفهم من هذا أن تأييد الحزب الوطنى بالنسبة لهم تعبير عن أمر واقع، أكثر منه تحيز أيديولوجى أو فلسفى أو حتى سياسى.
تدعو القيادات الكنسية إلى تأييد الحزب الحاكم ورموزه تعبيرا عن اعتقاد أساسى بأن الحزب الوطنى هو الدولة، فإذا صوتوا للحزب الوطنى، معناه أنهم يصوتون لصالح الدولة، وبمعنى أدق لصالح النظام الذى تربطه بهم علاقات ووشائج. لا أناقش ذلك، لأن القضية لا تخص الكنيسة قدر ما تخص الهندسة السياسية للمجتمع بأسره.
فى المجتمعات الديمقراطية هناك أحزاب تتنافس، وحكومات تشكل على أساس الأغلبية أو عبر صيغ ائتلافية بين عدة أحزاب تضمن الأغلبية، ونظام حاكم يجسد الإرادة الشعبية عبر صندوق الانتخاب، وأخيرا دولة ثابتة، تتغير الحكومات والأنظمة، وتتراجع أحزاب وتتقدم أخرى، وتظل الدولة هى الدولة، الكيان السيادى الأكبر الذى يمثل كل المواطنين.
فى الحالة المصرية يصعب التفرقة بين المسميات السابقة، فلا يوجد نظام حزبى يضم أحزاباً متنافسة، لأن هناك حزباً واحداً مهيمناً، منذ عام 1952م، يسمى اتحاداً قومياً أو اشتراكياً. حزب مصر أو الحزب الوطنى ـ لا يهم كثيراـ هو الإطار الحزبى السياسى المعبر عن النخبة الحاكمة. الحكومة خيار تقنى، تذهب وتجئ، ولا يوجد ترابط بين الحزب والوزارة، اللهم إلا فى إطار واحد جامع هو نظام الحكم، الذى اعتاد الباحثون تسميته باسم الرئيس الحاكم، فهناك نظام الرئيس عبد الناصر، ونظام الرئيس السادات، ونظام الرئيس مبارك. النظام هو الدولة، والدولة هى النظام بكل تشكيلاته، ونخبه، ومساحات الحركة التى يتمتع بها. نظرياً المعارضة جزء من الحكم، ولكن عملياً المعارضة خارج سياق الحكم.
من هنا فالمعادلة بالنسبة لكل ذى عقل سهلة مريحة. الأقباط يصوتون للحزب الوطنى، يعنى أنهم يصوتون لنظام الرئيس مبارك، يعنى أنهم يصوتون للدولة المصرية بكل أجهزتها، وحين ينحاز الأقباط إلى حزب آخر، ولا أقول الإسلام السياسى، يعنى أنهم يصوتون للمعارضة، يعنى أنهم يصوتون لقوى خارج النظام أو منافسة له، يعنى أنهم يصوتون لخيارات لا ترغبها الدولة المصرية بأجهزتها المتشعبة. الموضوع لا يحتاج إلى "فذلكة" أو تعقيدات، عندما تصل شخصيات من المعارضة إلى مواقع تمثيلية تشريعية أو محلية لا يكون ذلك بعيدا عن رضاء، وربما موافقة من الحزب الوطني. وهنا لا يكون للأقباط أو غيرهم دور، فالحزب الوطنى يختار منافسه.
الموقف يحتاج إلى مراجعة. الأقباط ليسوا كتلة سياسية واحدة، ولا يجب أن يكونوا كذلك. هم مواطنون فى المقام الأول، يفترض أنهم ينتمون إلى مواقع اقتصادية متباينة، وشرائح اجتماعية مختلفة، ويتبنون رؤى سياسية تعكس مواقعهم الاقتصادية والاجتماعية فى المجتمع، فلا أتصور أن يصوت القبطى الفقير إلى نفس الحزب الذى يصوت إليه القبطى الغنى، بل التصور الطبيعى فى المجتمع الحديث أن يصوت كل من القبطى الفقير والمسلم الفقير إلى حزب سياسى يعبر عن مطالبهما معا، ويتحد رجل الأعمال القبطى مع مثيله المسلم بحثا عن حزب آخر يحافظ على مصالحهما، فلا يعرف المجتمع الحديث تعبئة أو حشد على أساس دينى، ولكن يعرف- فقط - المصالح، ويقود تباين المصالح إلى اختلاف المواقع السياسية.
وإذا اختار قطاع، أو حتى كل الأقباط، التصويت لصالح مرشحى الحزب الوطنى فى الانتخابات فهذا خيارهم لا أحد يناقشهم فيه، ولكن ما يجب التأكيد عليه هو أن اندماج الأقباط فى المجتمع لا يتحقق إلا بالانتشار، والتفاعل مع كافة القوى السياسية، والحضور فى كافة ألوان الطيف الثقافية، فهم مواطنون وليسوا رعايا لأحد، سواء كان حزبا سياسياً أو جماعة دينية.
ولا يمكن فهم المواطنة بعيداً عن التنوع، ولا يمكن أن تتعمق المواطنة بعيداً عن حرية الاختيار السياسى والثقافى والاجتماعى. وتعنى مواطنة الأقباط أنهم مشاركون فى صنع مستقبل النظام السياسى، مثلما كان الحال قبل ثورة 1952م، تنوعهم جعلهم فى قلب المجتمع وتفاعلاته، أما الآن فهم أقل تفاعلاً، وأقل حضوراً، وأكثر تركزاً خلف الحزب الوطنى. ولا يمكن لمنصف أن يدعو الأقباط والمسلمين- معا هذه المرة- إلى الانتظار، أو الحشد خلف الحزب الحاكم، حتى ينصلح حال النظام الحزبى، ونجد أحزاباً لها صوت وحضور، ولكن المواطن يصنع النظام الحزبى، بتشكيلاته وحضوره ومشاركته. هكذا تكون المواطنة، وربما تكون السبيل إلى الديمقراطية.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة