زميل شاب يعمل مندوباً لصحيفة حكومية فى وزارة اقتصادية روى لى بالصدفة قصة عرض تلقاه من أحد الوزراء. ..مضمون العرض أن يقوم هذا الزميل بمهمة نقل كل ما يدور من نقاشات وحوارات وتساؤلات بين زملائه مندوبى الصحف بجانب تفاصيل النميمة التى يتم تداولها خلال زيارات الوزير الداخلية أو فى رحلاته الخارجية مقابل أن يتم ضمه إلى فريق المحظوظين الذين يرافقون الوزير فى كل رحلاته و يحصلون على مكافآت ضخمة عبر تكليفهم بتحرير نشرات أو كتب أو صياغة تقارير تتعلق بالوزارة وهيئاتها العديدة .
طبيعى أن الزميل الشاب يرفض العرض ويأبى التجاوب مع هذا الأسلوب الوضيع، رغم ظروفه المالية القاسية فهو مغترب عن القاهرة ويبحث عن مسكن وعلى أبواب إكمال نصف دينه ..كما أن هذا الموقف بقدر ما كان صادماً،إلا أنه كان دافعاً قوياً لإعادة قراءة كل ما يجرى داخل أروقة هذه الوزارة الاستراتيجية بعيون فاحصة متيقظة .
حقائق وتفاصيل مثيرة حكاها لى الزميل الذى شجعته على قراره برفض العرض الوزارى بالعمل جاسوساً بجانب عمله الصحفى حتى لو كان بحاجة إلى هذا المال وهذا القرب من الوزير المحظوظ .
كانت صدمتى كبيرة فى الوزير اللامع فقد كنت من المعجبين بأدائه وطموحه واستعراضه لقدراته أمام الرأى العام ،لكن عرض التجسس الذى حاول من خلاله إفساد شاب فى بداية طريقه المهنى واستغلال ظروفه الاقتصادية شوه صورته وكشف حقيقته، خصوصاً أن الوزير كلف مدير مكتبه بإغراء الزميل بالعرض ثم أشرف بنفسه على إتمام العملية فى بعض المراحل لحثه وتحفيزه على "التعاون" والتجاوب مع ما قدمه إليه مدير مكتبه .
الصدمة الأكبر هى أن هذا الوزير بالذات يتمتع بموهبة الكلام ويتقن فن الدجل الاقتصادى الذى يقوم على التلاعب بالألفاظ والأفكار.. تشاهده فى البرامج والحوارات التليفزيونية واثقاً من نفسه مدافعاً عن توجهاته ،متحمساً لأفكاره ،مستهيناً بمعارضيه ،ساخراً ممن يختلفون معه فى الرأى، الأهم أن هذه الواقعة التى تأكدت من صدقها عبر أطراف أخرى تكشف أن الوزير المحظوظ يستخدم كل الأساليب المتدنية فى الحفاظ على منصبه الوزارى متصوراً أن الأوضاع الاقتصادية المعقدة التى تعيشها معظم فئات المجتمع الذى كان هو وسياسته أحد أسبابها يمكن أن تجعل كل شئ قابل للبيع والشراء فى مصر .
عندما تكون هذه طريقة تفكير وزير يتباهى بالدكتوراة التى حصل عليها من الغرب ،ويفخر دائماً بأنه التلميذ الذى تفوق على أساتذته ،ويدعى التواضع والبساطة..لا نستغرب من سوء الأوضاع الاقتصادية المتردية التى يعيشها الإنسان المصرى ولا نندهش من تنامى أساليب الاستغلال ولا نندهش من انتشار قيم الفساد والسلبية بين الناس، ولا تصدمنا موجات الفساد المتلاحقة التى تعصف بالمجتمع كل صباح ..
السؤال الذى قفز إلى رأسى لماذا يلجأ وزير يزعم النجاح والعبقرية فى كل مكان إلى هذا الأسلوب "البوليسي" ،وما هى أهدافه من تجنيد الصحفيين وتحويلهم من ممثلين للرأى العام إلى جواسيس يعملون لحساب معاليه على زملائهم وصحفهم؟، وماذا يستفيد من تعميق القيم الفاسدة وتشجيع الانحراف وسط المحيطين به؟، هل يتصور أنه بهذا السلوك المنحرف يمكن أن نصدقه ونأتمنه على إدارة وزارة تمس حياة ومستقبل الناس؟
المثير للدهشة أن نموذج هذا الوزير يتكرر فى وزارات وهيئات عديدة بالجهاز الحكومي، بعد أن لفت الأنظار بمعسول كلامه وترتيب أفكاره حتى أصبح البعض يهوى تقليده بما فيهم بعض رؤساء تحرير الصحف..
أظن أن دوافع الوزير لتقديم عرض التجسس على الزميل الشاب، يرجع إلى إدراكه للواقع المتدنى لأجور ورواتب الصحفيين مما شجعه على جريمته البشعة، وهو واثق بأن هذه الظروف ربما تدفعه مضطراً لقبول مثل هذه العروض الخبيثة والسقوط فى بئر الفساد ...
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة