تؤكد وقائع الأحداث أن المنطقة مقبلة على مواجهة بين أبنائها على خلفية ادعاءات دينية نقلت استراتيجيتها من الصراع مع المحتل إلى الصراع مع معارضيها فى الرأى داخل الوطن الواحد.
فقبل أسابيع قليلة أتاحت دمشق لملالى إيران بوابة عبور ملكية إلى قلب الوطن العربى ودوراً استراتيجياً فى قرارها حينما أقامت حائط صد أمام موقف عربى مطالب بحل الأزمة اللبنانية قبل انعقاد القمة.
وبعدها مباشرة بدأت جماعة حماس الانقلابية فى غزة بتصعيد تصريحات نارية موحية لكل ذى بصر وبصيرة ضد مصر، ومهددة باقتحام جديد للحدود المصرية وانتهاك لسيادتها بزعم تخفيف آثار الحصار الإسرائيلى على أشقائنا فى غزة.
وتواكبت مع تصريحات قادة الجماعة الانقلابية مواقف مساندة من شقيقتها جماعة الإخوان فى مصر بتصعيد مواجهة من نوع مختلف تستهدف تأليب الرأى العام المصرى على الأوضاع الداخلية فى البلاد، تتوازى مع دعوات لفك الحصار على الشعب الفلسطينى، بطريقة لافتة فى التحريض والربط بين الأمرين.
من الصعب الفصل بين مجمل هذه الظواهر والمواقف ذات الدلالات الواضحة ، فإيران تتحرك فى إطار استراتيجية واضحة تسعى من خلالها إلى تقوية تحالفاتها فى المنطقة لخلق شبكة مساندة لها فى صراعها مع أمريكا ، وتستهدف أيضاً استخدام ذلك الصراع المصطنع لبسط نفوذها وسيطرتها على المنطقة.
والصراع الإيرانى - الأمريكى لا يرتبط فى أى من جوانبه بمصالحنا العربية والإقليمية، كون إيران تستخدم كما هى العادة الملف الفلسطينى لتبرير أهدافها التوسعية الاستعمارية للمنطقة العربية تحت ستار وعباءة قضية العرب والمسلمين دون أن تقدم دليلاً واحداً على اشتباكها الفعلى والعملى على الأرض لتحرير الأرضى المحتلة.
ولإيران مصالح واضحة فى لبنان، تبدو جلية فى الدعم المادى والمعنوى الصريح لجماعة حزب الله المنتمية أيديولوجياً ودينياً لنظام الملالى فى طهران، وهو دعم يستهدف بسط نفوذ أنصار إيران فى كل لبنان تمهيداً لانقلاب سياسى (كما غزة) يتيح السيطرة على كل الأرض اللبنانية وليس الجنوب فقط لإقامة دولة شيعية فى قلب العرب ، تكون امتداداً للدولة الجاثمة على حدودنا الشرقية ، وجسر للوصول إلى عواصم عربية أخرى.
و يفسر ذلك.... الدور النشط لإيران فى العراق ، ودعمها اللوجستى والعسكرى والمادى للجماعات العراقية فى الجنوب ، متواكباً مع ذلك إظهار الحرص على إقامة جسر مع الحكومة العراقية لطمأنة الطوائف الأخرى ، لتمرير مخطط السيطرة على الشأن العراقى فى الجنوب والوسط ، وإقامة دولة فى المناطق البعيدة عن الأتراك فى الشمال.
وفى سبيل تحقيق إيران لاستراتيجيتها تستخدم جملة من الأدوات المحلية بعضها صاحب انتماء أيديولوجى ، والبعض الآخر يغلب صراعاته التنظيمية الحزبية الضيقة على الرؤية الوطنية العامة ، بالانحياز إلى نظام طهران بشكل سافر أو بطرق ملتوية.
معطيات المشهد العام تقول إن إيران التى تدير حوارات متنوعة متعددة المستويات مع واشنطن عبر الكواليس تزعم عبر شعارات إسلامية دعمها لتحرير فلسطين ، ومواجهة إسرائيل و أمريكا ، ولذلك تدير مجموعة من التحالفات مع الجماعات الشيعية فى لبنان والعراق ، وتلعب مع سوريا (محررة لبنان وليس الجولان) على وتر التكاتف فى مواجهة أمريكا، وتدعم حماس فى غزة لإقامة دولة إسلامية مختلفة التوجه الدينى متفقة المصلحة مرحلياً فى تحالف المشايخ والملالى بعمق مصرى واضح داعم من جماعة الإخوان المسلمين .
هذه الرؤية الإيرانية لمستقبل المنطقة تتعارض بل وتتناقض جذرياً مع التصور العربى للأمن الإقليمى ، كون طهران تسعى كما قوى دولية استعمارية أخرى إلى تفتيت المنطقة وإعادة تقسيمها وفقاً لنظام طائفى يضعف من النفوذ العربى ويقلل من دوره الإقليمى والدولى ، ويدخل قضاياه الاستراتيجية فى متاهات ودوامات يستحيل معها استرداد الحقوق المسلوبة أو إنهاء الاحتلال للأراضى العربية.
دروس وعظات التاريخ تقول إن التحالفات الإقليمية والدولية لتحقيق مجموعة من المصالح المتضاربة فى الشكل تنتج دوماً نفوذاً استعمارياً يحققه الأقوى فى المعادلة، والأقوى دوماً هو من يتمكن من إمساك كل الخيوط وتحريكها وفقاً لرؤيته العامة. أما باقى أطراف التحالف فيتحولون إلى أدوات فى تنفيذ هذه الرؤية، فهل يفيق الغافلون ويتنبهون لما يحاك على حدودنا العربية فى أقصى الشرق ، وحدودنا المصرية الشرقية؟ مجرد تساؤل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة