دعانى أحد الزملاء الصحفيين بصحيفة "الأهالى" للتوقيع على بيان للتضامن معهم فى مواجهة الحملة الشعواء التى يشنها على حزب التجمع جمال عبد الرحيم عضو مجلس نقابة الصحفيين. كانت مفاجأة بالنسبة للزميل الصحفى أن أرفض التوقيع على البيان، وهو الذى كان يتوقع أن اسمى سيكون من الأسماء المضمونة المؤيدة للبيان، ومن المؤيدين لموقف حزب التجمع فى استضافة المؤتمر الذى عقد تحت لافتة "ضد التمييز الديني"، بعد أن فشل نقيب الصحفيين فى إقناع جبهة الرفض المكونة من ستة صحفيين، يتزعمهم جمال عبد الرحيم.
الرد الذى قلته للزميل الصحفى "إننى لم أنتخب جمال عبد الرحيم، ولكن الذى وضعه على قائمته، وانتخبه هو الأستاذ مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين، وعليه أن يتحمل تبعة اختياراته، وأننى لست فى معرض أن أتحمل اختيارات لم أدع إليها، أو أتبناها، أو أقف إلى جوار من تبناها ودعا إليها". فالأستاذ جمال عبد الرحيم، لم ألتق به من قبل سوى مرة واحدة عابرا، فقط حييته ورد هو التحية، وبالتالى لا أستطيع أن أحكم عليه. لكنى أعرف- جيدا- أن له كتاباً ضعيفاً فى بنائه، ركيكاً فى أسلوبه، يسفه من مفكرى مصر الأفذاذ طيلة القرن العشرين، ويتهمهم باتهامات قاسية.
وفى موقعة نقابة الصحفيين، على عكس كثيرين، أحترم موقف جمال عبد الرحيم بشدة، لأنه لم يفعل شيئاً لم يقله ضد البهائية والبهائيين. هذا الصحفى الشاب، الذى دخل مجلس نقابة الصحفيين له عمود فى صحيفة "الجمهورية"، لا أعرف على وجه الدقة موعده الدوري، خصصه مرة للحديث عن البهائيين تحت عنوان "فيروس البهائية ظهر تاني!!"، وذلك بتاريخ 20 فبراير 2007م. أتهم فيه الحكومة بالغفلة والأزهر بالفرجة إزاء البهائية، التى وصفها بأنها "فكر منحرف وشاذ" و "تعمل لخدمة الصهيونية والاستعمار" و "منافية للإسلام" و "خزعبلات وأفكار غريبة وشاذة" وطالب فى نهاية مقاله بأن تخرج هذه الطائفة خارج مظلة الدستور وأحكامه. أى يجرى التعامل معها بإجراءات لا ينص عليها النظام القانونى للدولة نظرا لخطورتها الشديدة على الآراء والمعتقدات، وأضاف: "طالما أن قانون العقوبات الحالى لا ينص على إعدام المرتد، يجب على أجهزة الدولة محاكمة هؤلاء البهائيين بتهمة ازدراء الأديان، وتطبيق المادة (98) من قانون العقوبات عليهم، رغم أنها غير رادعة. لأن العقاب فى هذه الجريمة ليس هدفه ردع المجرم فقط، وإنما لكى يطمئن المجتمع إلى أن الدولة تحمى الدين والعقيدة من أى تطاول. وفى الوقت نفسه لا تسكت على نشر الفساد والفجور والإلحاد، أتمنى من حكومتنا أن تبحث عن علاج جديد لمرض البهائية للقضاء على هذا الفيروس الخطير".
هذا ما قاله صراحة جمال عبد الرحيم- عضو مجلس نقابة الصحفيين- فى مطلع العام الذى انتخب فيه عضوا بمجلس النقابة "الموقرة"، ومن أيده ودعا إلى انتخابه، بالإضافة إلى "لوبى الصعايدة" المعروف، هو الأستاذ النقيب مكرم محمد أحمد. وخلال الفترة التى سبقت انعقاد مؤتمر "ضد التمييز الديني"، لم يقل جمال عبد الرحيم سوى أنه سوف يمنع انعقاد المؤتمر، وشاركه فى ذلك بعبارات قاطعة، وكيل نقابة الصحفيين الأستاذ عبد المحسن سلامة وصمت بقية أعضاء المجلس الموقر تجاه ما يجري. فلماذا نغضب أو ندعى الغضب حين يحمل الشاب "شومة"، أو يجند صحفيين فى غزوة نصف حربية لحماية مبنى النقابة من دنس مؤتمر سوف يدافع عن فيروس "البهائية"؟.
من حق جمال عبد الرحيم أن يفعل ما يشاء، فقد انتخبه الصحفيون، ومن المفترض أنهم على علم بمواقفه من قضايا حرية الاعتقاد والتعبير. فهو مثل غيره ينشر آراءه فى صحف سيارة، وبالتالى فهم ينتخبون عضواً بمجلس نقابة الصحفيين يعرفون مسبقا مواقفه وآراءه، التى لا تعير التفاتاً إلى ميثاق الشرف الصحفى ذاته. فالمقال الذى اقتبست منه أعلاه من صحيفة الجمهورية، كتبه جمال عبد الرحيم فى مجافاة كاملة لميثاق الشرف الصحفى الذى ينص فى فقرته الثانية بشأن واجبات الصحفى المهنية، على "الالتزام بعدم الانحياز فى كتاباته إلى الدعوات العنصرية أو المتعصبة أو المنطوية على امتهان الأديان أو الدعوة إلى كراهيتها أو الطعن فى إيمان الآخرين أو تلك الداعية إلى التمييز أو الاحتقار لأى من طوائف المجتمع".
هذا الشاب المغامر لا يطبق ميثاق الشرف الصحفى وقد أيده الصحفيون رغم ذلك، ووجد ترحيبا إلى الحد الذى وجد نفسه عضوا فى لجنة "القيد" المنوط بها قبول أوراق الصحفيين للالتحاق بالنقابة. ويوم انتخابات نقابة الصحفيين، أى 17 نوفمبر 2007م، كان الشاب ورفاقه يوزعون أسطوانات ممغنطة "سى دي" عليها آيات من القرآن الكريم. اللافت للنظر أن النسخ التى كان يجرى توزيعها على الصحفيين كانت "مقلدة"، أى لا تراعى حقوق الملكية الفكرية. أخذ الصحفيون الأسطوانة الممغنطة، وتباركوا بها وأعطوا الشاب اليافع أصواتهم. لم يسألوا عن حقوق الملكية الفكرية، مثلما لم يسألوا عما يكتبه الشاب من آراء تصطدم الأعين فى قضايا حرية التعبير والاعتقاد.
إنني- بصدق- أتعاطف مع جمال عبد الرحيم، وأقف إلى جواره فى موقفه من منطلق مهم وأساسى، أن الشاب لم يخدع أحداً أو يلون الحقائق خلاف جوهرها أو يظهر شيئا لا يبطنه. فهو شخص أخشى أن يمثل "الشعبوية الدينية" الصاعدة، التى لا تتبع تيارا أو تنظيما، لكنها فقط تخلط بين التقاليد الريفية المحافظة والخطابات الدينية المتشددة، تغلفها جملة من الشعارات الفارغة حول الوطنية، وهو التيار الذى لا يملك نقيب الصحفيين أن يواجهه، فهو ليس مثل الإخوان المسلمين "جماعة محظورة"، تتسم بنزعة برجماتية تقبل التفاوض والمساومات، وهو ليس مثل "كفاية" يكفيها عساكر الأمن المركزى والصوت العالى وإغلاق أبواب النقابة فى وجههم. تيار "الشعبوية الدينية" الصاعد يرعى داخل النقابة وليس خارجها ويهيمن عليها من باطنها أكثر ما يسعى إلى تغيير ظاهرها.
نعم، كسب جمال عبد الرحيم المعركة وسوف يكسب هو وأمثاله المعارك القادمة، ليس لسبب إلا لأن "الانتهازية" السياسية عادة ما تراهن على هؤلاء، وهل هناك شيء آخر سوى الانتهازية؟!.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة