فاطمة خير

الحكم بعد المشاهدة

الأربعاء، 30 أبريل 2008 10:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بقدر نعومة فيلمٍٍ عربى قديم، وقدرته على "الكمون" فى الذاكرة، يمكن لعمل على الشاشة أن يؤثر فى المشاهد أطول من مدة عرضه بكثير. هذا ما يدفعنا إلى التفكير طويلاً، والتأمل بعمق فى المواد التى تذيعها الشاشات العربية، بغرض عمل حملات دعائية، أبرزها بكل تأكيد ما يذاع بخصوص الإرهاب فى العراق، وربما أيضاً الحملة التى تحمل عنوان "البركة فى الشباب".

ويحتار المرء حين يحاول التفسير: هل تم إنتاج هذه الأفلام الموجهة بدافع "النية الحسنة"؟ أم أنه هناك ميزانية يجب إنفاقها فى هذا الاتجاه فحسب؟ ليس بعيداً عن الملاحظة أن المواد الفيلمية الخاصة بالإرهاب تتسم بالسذاجة على أقل تقدير، فعلى أى أساس يمكن أن يتوقع شخص ما ـ مهما كان مقدار ذكائه أو مخزونه الثقافى ـ بأن دعايات مناهضة للإرهاب يمكن أن تحاربه؟! أو تواجهه؟ أو تؤثر فى المتورطين فيه ولو بقدرٍ طفيف؟ وإذا لم يكن مرتكبو الأفعال الإرهابية هم المقصودون بهذه الحملات الدعائية ـ هذا على اعتبار أنهم يشاهدون التليفزيون ـ فهل المقصود هم "المجنى عليهم" ـ الجمهور العادى الذى يخشى الإرهاب ويدعو الله أن يقيه شره؟ أحجية غريبة، لكنها مستفزة، أو ربما أن المقصود هو مشاهد يقطن فى بلادٍ لا تعانى الإرهاب والهدف هو أن يتم "حرق دمه" وحسب، أما حملة "البركة بالشباب" فهى تهدف بشكل واضح إلى ترقية سلوك شعب، يموت جراء التفجيرات والاحتلال؛ فتعلمه كيف يعامل الصغير الكبير.

الأقرب إلى أن يتقبله المنطق، هو أن الأمر لا يعدو أن يكون ميزانية مرصودة ويجب إنفاقها، على الأغلب ستكون من برنامج دعم أمريكى، بمعنى آخر "سبوبة". تدرك آلة صناعة الإعلام الغربية، حجم التأثير الهائل للصورة التليفزيونية؛ فتتعامل معها بحذر وحيطة، وأقصى استغلال ممكن، ولا تقل الشاشات العربية فيما تمتلكه من مهارات عن تلك، لكنها لا تحسن توظيفها، من باب "قلة الوعى"، أو"الغباء الإعلامى"، فهذه الشاشات التى طورت سريعاً فى مستوى المادة "المنتجة" عربياً، ورفعت مستوى تلقى المشاهد العربى، هى نفسها التى لا تزال غير قادرة على توظيف الحملات الدعائية بشكل يخدم أهداف هذه الحملات، ويحترم المشاهد، وتكمن المفارقة فى حساسية هذه الشاشات للتطور وفقاً لاحتياجات مشاهديها، وجرأتها فى أحيان، وبين تواضعها على مستوى الحملات الدعائية، فها هى شاشة الـ MBC تبادر بالسماح لمذيعاتها بالظهور على الشاشة وهن فى مرحلة الحمل، بدأ ذلك فى برنامج "كلام نواعم"، على MBC1، وربما كان الأمر أقرب إلى المنطق لأنه برنامج نسائى بالدرجة الأولى، لكن هناك مذيعة أخرى تظهر على شاشة "العربية" التابعة للباقة لنفسها، وتقدم نشرة اقتصادية فى "صباح العربية"، تتحرك فيها أمام الكاميرا مع مؤشرات الأسهم، بكل ثقة، منبعها بالتأكيد تحمس إدارة القناة، وهى جرأة لا تتمتع بها وسائل إعلام غير بصرية.

إلا أن "العربية" أيضاً لا تسمح لنفسها بالنظر فى مضمون الحملة الدعائية ضد الإرهاب، التى تذاع على شاشتها كمادة إعلانية، والتى تستفز أكثر مما تفيد، وتؤلم أكثر مما تؤتى بثمار. أما الشاشة المصرية فحدث ولا حرج، فقبل التحدث عن حملات مواد دعائية موجهة؛ لابد أولاً من حل مشكلة الوجوه التى تبدو باهتة وكأنها مريضة، والغريب أن المذيع نفسه يتغير شكلاً ومضموناً بانتقاله إلى شاشة أخرى غير مصرية، وإذا أردت التأكد بنفسك، ما عليك سوى الضغط على جهاز الريموت كونترول، والتوقف أمام "الفضائية المصرية"، وزميلتها "النيل ـ قناة مصر الإخبارية "، ستشك حينها أن خطباً ما أصاب المذيعين والمذيعات.

وبالعودة لتوظيف الحملات الدعائية، فآخرها على الشاشة المصرية ما يتعلق بمشروع إعادة تأهيل 100 مدرسة، تم إبراز الحملة بفقرة فى برنامج "البيت بيتك"، وعرض فيلم قصير يبين إحدى المدارس التى شملها المشروع قبل إعادة تأهيلها، وبعده، رائع، لكن ليس بالرائع على الإطلاق أن يقوم بدور تلميذ فى المدرسة، طفل لا يمت بالشبه من قريب ولا بعيد للأطفال فى "مدينة النهضة" أو "السلام"، حيث تقع المدرسة التى تم التصوير فيها، لا هو يشبههم، ولا بيته، ولا أهله، وهنا يفقد الفيلم مصداقيته، فإذا كان الهدف منه الدعاية للمشروع فإن بعضاً من التركيز يوضح بأن ثمة تناقضاً بين الهدف والمضمون، وإذا كان أحد الأهداف هو "زرع الأمل" فى نفوس المشاهدين بأن مدارس أبنائهم سوف تتطور بالمنوال نفسه، فإن هذه الفئة من المشاهدين ستحبط؛ حين تشعر بغربة مع الفيلم، وتفتقد الحميمية مع شخوص ممثليه، ناهيك عن أن المشروع الذى قدمته الفقرة، وتم إنتاج الفيلم ضمن التنويه عنه، ليس الوحيد فى مصر، فهناك مناطق أخرى فى القاهرة، يتم فيها تنفيذ الفكرة نفسها، بالتعاون بين جهات حكومية والمجتمع المدنى، وإن كان الأخير يضطلع بالدور الأكبر، لكن لم يتم الإشارة إلى ذلك من قريب أو بعيد.

النية سليمة، والوسيلة خاطئة، تماماً كمصر التى تريد "فواصل" برنامج "البيت بيتك" أن تقدمها جميلة ومهندمة، براقة وسعيدة، لكنها ليست فعلاً شبه أهلها الحقيقيين، تتحول الصورة المأخوذة بعناية، والموسيقى الناعمة، ومن يرتدون أزياء مصريةً تقليدية، إلى حالة مكتملة من الاصطناع؛ فيبعدوننا عن مصر أكثر مما يقربونا منها.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة