دعت بعض القوى السياسية إلى إضراب يوم 6 أبريل. رفض الإخوان المسلمون المشاركة فى الإضراب، معللين ذلك بعدم معرفة الجهة الداعية له، وغياب التشاور بينهم وبين الداعين إلى الإضراب بهذا الخصوص. وكم كان ملفتا أن يعلن الدكتور محمود عزت أمين عام الجماعة- قبل الإضراب بيوم واحد- أن "الإخوان المسلمين لن يكونوا مسئولين عن فشل الإضراب". فى اليوم التالى مباشرة، أى يوم 7 أبريل أعلن الإخوان المسلمون مقاطعة الانتخابات المحلية، داعين الشعب المصرى إلى المقاطعة. ولم يٌعلن عن تشاور جرى بين الإخوان المسلمين وبقية القوى السياسية الأخرى بشأن هذه الخطوة.
نخلص من هذا إلى أمرين: الأول أن الإخوان المسلمين يرفضون الإضراب ثم يؤيدون مقاطعة الانتخابات فى اليوم التالى. والأمر الثانى أن الإخوان المسلمين ينتقدون القوى السياسية الأخرى التى لا تنسق معهم، أو تبقى خطوط التشاور مفتوحة بينهم، فى حين أنهم يقدمون على إعلان مقاطعة الانتخابات من جانب واحد دون التشاور مع غيرهم.
الإخوان المسلمون فى تناقض مهم، يعلنون أنفسهم جزءا من المعارضة السياسية، لأنهم لابد أن يكون لهم توصيف سياسى فى نهاية الأمر، لكنهم لا يحملون فى وجدانهم أو مشاعرهم الرغبة فى أن يكونوا من المعارضين. الدليل على ذلك أنه عشية الانتخابات المحلية كتب الدكتور عصام العريان مقالاً يرثى لحال المستبعدين من خوض المعركة الانتخابية، وخص بالاسم المعارضة والإخوان المسلمين. نستخلص من هذا أن الإخوان المسلمين لا يرون أنفسهم جزءاً من المعارضة، بل ندا لها، أو قوى معادلة للنظام، أو بمعنى أدق كتلة سياسية تتحرك فى الفضاء العام، بذاتها، ولذاتها، لا يحكمها سوى حسابات المكسب والخسارة المرتبطة بها، ومشروعها نابع من ذاتها، وهى ليست على استعداد أن ترهن المشروع لترتيبات مؤسسية تتجاوزها أو تكون فيها مجرد نفر معدود. هذه هى السياسة، أما إذا نظرنا إلى البناء الفكرى للإخوان المسلمين فلابد أن نخلص إلى نتيجة أساسية هى أن خطابهم ينطلق من فرضية أساسية: أن المجال العام ليس متنوعاً، لا يحوى قوى مختلفة، بل يحوى المشروع الإسلامى، الذى تسعى الجماعة إلى ترسيخ دعائمه، بوصفه الأفضل، فى مواجهة مشروعات أخرى بها شوائب العلمنة الممقوتة.
ويصعب على باحث منصف أن يلوم الإخوان المسلمين على هذا الفهم، أو ذاك المنحى، فقد خلق النظام الحاكم- منذ عام 1952م- من الإخوان المسلمين "قوة معادلة" له، المعركة الممتدة بينهما عبر كل العصور أخذت فى وجهها القوى السياسية المدنية. لم يعد هناك سوى قوتين متناطحتين: النخبة الحاكمة، والإخوان المسلمون. كلتاهما لديها قواعده وجمهوره، والقوى السياسية الأخرى ليست إلا طرفاً ثانويا لإضفاء واجهة ديمقراطية شكلية. من هنا فإن الإخوان المسلمين لا يرون إلا نظام الرئيس مبارك نقيضاً وضداً لهم، ويبادل النظام الإخوان النظرة نفسها، ووضعهم فى خانة "الخطرين على الأمن القومى".
سألت- يوماً- قيادياً فى الإخوان المسلمين: لماذا تعزفون عن المشاركة فى المظاهرات التى تسيرها حركة "كفاية"؟. أجاب قائلا: لأنهم يستخدمون ألفاظاً غير لائقة فى المظاهرات، خلافاً لما يدعو له الإخوان المسلمون من عفة اللسان فى القول والاحتجاج. لم أقتنع بالإجابة، فأعدت السؤال قائلاً: ماذا لو التزم المعارضون الشتامون بعفة اللسان؟. ابتسم قائلا" هم يريدون أن يكونوا المخ"، ونحن "العضلات"؟ وأضاف: عشرون، ثلاثون شخصاً يختطفون الأضواء، ويتحدثون باسم الجماهير، ولا يريدون من الإخوان المسلمين سوى "الأنفار"، التى تنهال عليها عصى الأمن المركزى. إذا دخل الإخوان المسلمين أى ترتيبات للمعارضة لابد أن يعبر ذلك عن قوتهم النسبية.
ما ذكره هذا القيادى هو "مربط الفرس"- كما يقال. الإخوان يشعرون أن أذرعهم منتفخة بالعضلات، فى حين أن أحزاب المعارضة، والقوى الاحتجاجية مثل كفاية، تقاوم بأجساد هزيلة، لا تحتمل جولة عراك مع عصى الأمن المركزى، أو ليلة مظلمة فى الحجز. ويشعر الإخوان أن هذه الأجسام النحيلة الهزيلة تتدلل، كما ذكر عصام العريان فى إحدى المرات "هناك من يحبس بالساعات أو الأيام على الأكثر (يعنى كفاية)، ولكن هناك من يقضى السنين فى السجن".
وأحزاب المعارضة، والقوى السياسية الاحتجاجية، ضعيفة، وتشعر دائماً أنه لا بديل أمامها سوى الإخوان المسلمين. يهاجمونهم فى الجلسات الخاصة، ويكيلون لهم المديح فى التجمعات العامة. يخطبون ودهم، ويشعرون أنهم سند لهم. لا نلوم الإخوان المسلمين إذا تصرفوا بانتهازية سياسية، لأن غيرهم لو امتلك الفرصة لكان انتهازياً أكثر منهم. نعم أسقطوا خالد محيى الدين فى الانتخابات، وتركوا متظاهرى كفاية وحدهم، وقاطعوا الإضراب معلنين فشله قبل أن يبدأ، وقاطعوا الانتخابات معلنين أنها مزورة قبل أن تنطلق.
الإخوان المسلمون يلعبون سياسة، فهل نلومهم، أم نلوم الذين لا يريدون أن يلعبوا سياسة؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة