أفلح إن صدق!
فقد قرر اللواء سمير يوسف محافظ أسوان، تخصيص مبلغ 200 مليون جنيه، لإنشاء خمس قرى للنوبيين، على ضفاف بحيرة السد العالي، كما قرر تخصيص 10 آلاف فدان بجانب القرى لإقامة- مشروعات صغيرة عليهم.
إذا صدق المحافظ – وأتمنى أن يصدق – فستكون هذه هى البداية الحقيقية، لحل القضية النوبية، التى بدأت بعمليات التهجير لبناء السد العالي، وهى القضية التى أحاطتها الأساطير من كل جانب، بفعل فاعل، ولم يكن هذا الفاعل من النوبة، بمن فى ذلك الذين قرروا منهم المتاجرة بالقضية على أعتاب المنظمات الدولية.
يغنى النوبة عائدون، فيعلن الفاعل أنهم يسعون إلى الاستقلال، وإقامة دولتهم الحرة المستقلة. ويبكى أهالى النوبة على ديارهم، وعلى ما جرى لهم على يد الإدارة البيروقراطية، فيعتبر الفاعل أن هذا دليل على أنهم يكرهون مصر، ويحبون إسرائيل.
لقد انتزعت ثورة يوليو من النوبة موطنهم الذى عاشوا فيه آلاف السنين، لبناء مشروع قومي، هو السد العالي، فكان ما جرى من اجل المصلحة الوطنية، وكل ما طلبوه أن يتم بناء قرى لهم على البحر، وفى مكان آخر، ولم تتم الاستجابة لهم، وتم بناء قرى أخرى فى الصحراء، لم تراع طبيعة النوبي، وما يمثله الماء له، وكانت هذه هى بداية المحنة.
فى دراسة مهمة للدكتور ثروت إسحاق نال بتا درجة الماجستير كشفت أسباب القضية النوبية، من بدايتها، فالبيوت التى تم بناؤها، لم تراع خصوصية المواطن النوبي، وكانت اقرب إلى هوى الفلاحين، فالنوبي، يهتم كثيرا بعملية النظافة، ولهذا فان حظائر الحيوانات، تكون خارج المنازل، ولكن الذى جرى أنها جاءت بالداخل!
وقد بدأت الخلافات مبكرا، بين المهجرين، وجهة الإدارة، كان واضحا أن عدم الفهم للثقافة النوبية هو السبب الرئيسى فيها، فالنوبيون رأوا أنهم وان كانوا لم يبخلوا على الوطن بوطنهم وديارهم، فقد كان جزاؤهم هو جزاء سنمار، وممثلو الحكومة نظروا للنوبة على أنهم لا يعجبهم العجب، وكان عليهم أن يقبلوا أيديهم وجها وظهرا، فقد حصلوا على ديار أفضل من ديارهم، واحدث!.
كان كل من الفريقين، يتحدث لغة لا يفهمها الآخر، وإزاء ذلك كان التشهير بالنوبي، الذى عز عليه أن يضحى من اجل مشروع وطنى كمشروع السد العالي، فى زمن الشموخ القومي، وبدأ التشكيك فى الهوية والانتماء، بفعل فاعل، والفاعل معروف!.
منذ البداية أعلن أهل الحكم أنهم سيقومون بإعادة توطين النوبة، حول البحيرة، بعد استقرار منسوب المياه خلف السد، ولم يحدث، وتقاعست الدولة، واستبد الحنين بالنوبيين الى قراهم، التى شهدت طفولتهم، وذكرياتهم، فلم يتم تفهم هذه العاطفة الإنسانية، ولان الدولة أخلت بوعودها، فقد غطت على ذلك باستخدام إنتاج البوح والشجن، للتشهير، واثبات عدم الانتماء الوطنى من جانب النوبي.
فلما جاء عام 2004 أعلن يوسف والى نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة أمام البرلمان انه سيتم إعادة التوطين حول البحيرة، وقيل أن هيئة الزراعة والأغذية " الفاو" كانت قد خصصت 300 مليون دولار، لهذا المهمة، وهم فيهم الطمع كما هو معلوم، بحكم السوابق، ألم يسطون على التبرعات الخاصة بضحايا الزلزال؟.. ألم يطمعون حتى فى البطاطين الجديدة، فباعوها، وأعطوا الضحايا بطاطين مشتراة من سوق الجمعة، هى إلى " الخيش" اقرب؟!.
وألم يستولوا على الأجهزة التى كانت فى مدينة الشيخ زايد، ثم على المدينة نفسها، وبيعها بعد ذلك، وهى التى جاءت هدية من أمير دولة الإمارات.. إنهم يسرقون الكحل من العين، سواء كانت عين لنوبي، أو لعربي، أو لهواري، أو لفرعونى ، هم هنا -والشهادة لله - لا يفرقون بين هوية وهوية، فالكل أمام شهوة الجشع سواء!.
لقد تم بيع الأرض التى كانت مخصصة لبناء القرى النوبية فى المزاد العلني، وذهبت الرسائل إلى منظمة الفاو فاضحة تصرفات القوم، فاستردت المنظمة أموالها. وللتغطية على هذا التصرف الأرعن، سعى الفاعل لتشويه سمعة النوبة، فمطالبهم تتلخص فى أنهم يدعون الاستقلال الوطني، ولم يكن هذا صحيحا، وكان الفاعل معروفا!
ولقد قيل – والحجة على الراوى – أن الهيئة المذكورة قامت ببناء موطن للنوبيين حول البحيرة، لكن محافظ أسوان.. السابق، وربما الأسبق، أتى بمواطنين من محافظات أخرى وأسكنهم فيها!
أن كل الأساطير التى تثار حول النوبة ليست صحيحة البتة، فلا النوبة يريدون وطنا خاصا، ولا ينشدون الاستقلال عن مصر، ولا يدعون إلى التدخل الأجنبي.. نفر منهم ربما استغلوا هذه القضية العادلة للمتاجرة بها، وموقفهم يحفظ ولا يقاس عليه، كما يقول الفقهاء. وإذا صح أن نلومهم، فان الأحق باللوم، من لم يتدخلوا لتصفية هذا الملف، ورفع هذا العناء النفسى المتراكم، عن نفر من أبناء الدولة المصرية.
فالنوبيون لا يطلبون لبن العصفور، فقط يطلبون إعادة بناء قراهم حول البحيرة، والحكومة لن تفعل لسبب بسيط، وهو أن هذه الأرض من أخصب الأراضى الزراعية.. هذه شهادة شاهد عيان هو حضرتنا، ومن الآخر فيها الطمع، وهناك من رجال الأعمال من لديهم رغبة جارفة فى الاستيلاء على الأرض ومن عليها، وما دام الحال كذلك، فلا مانع من أن تتحلل الحكومة من التزاماتها بإشاعة الأساطير حول المطالب النوبية البسيطة.
أن النوبة قوم متسامحون بالفطرة، واخشى أن يكون التعسف الحكومى سببا فى أن ينطق الحجر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة