لم يعد من المناسب القول بوجود فجوة بين الحكومة والشعب والأقرب إلى واقع الحال أن هناك "حفرة" ، بل وحفرة عميقة بين الطرفين، وأسطع دليل على ذلك، هو ما حدث من ارتفاع أسعار البنزين والسولار وغيرهما وفرض ضرائب ورسوم على السيارات وإلى آخر "الحزمة" التى صدق عليها نواب الحزب الوطنى الحاكم فى بضع ساعات وبعد مناقشة الإجراءات "الاقتصادية " المذكورة بين النواب وأمين التنظيم فى الحزب الحاكم المهندس أحمد عز، المشهور بأشياء كثيرة من بينها سيطرته على صناعة وتجارة الحديد فى مصر.
ودارت المناقشات حول موائد الطعام الفاخر بدعوة من المهندس أحمد عز.. وأول ما رصده المراقبون أن توقيت الإعلان عن الزيادات الجديدة فى الأسعار مثير للدهشة من حيث إنه جاء بعد أيام معدودة من إعلان الرئيس مبارك علاوة الـ30٪، فالحكومة لم تسرق فرحة الغلابة فحسب، بل إنها أساءت للرئيس من حيث لا تدرى، لأن الإشادة بدوره فى تصويب الأمور لصالح "محدودى الدخل" ردت عليها الإجراءات الأخيرة عمليًا، بأن للرئيس كلمة ولمجموعة الضغط فى الحزب الحاكم والحكومة كلمة أخرى وللأسف.. هى الكلمة الأعلى..
ومهما نشرت هذه المجموعات إعلانات الحب والوفاء للرئيس مبارك فإن الوقائع تكذبها ولم يعد الناس يصدقونهم ، بل إن الأغلبية الساحقة من الشعب المصرى قد توقفت أمام توقيت الإعلان عن زيادة الأسعار وأمام الشرائح التى ستلهب هذه الزيادة ظهورها بأكثر مما هى ملتهبة وهو ما يطرح سؤالاً منطقيًا: هل تعمل هذه العناصر فى "الحزب وفى الحكومة" على أن يكون هناك تواصل بين الرئيس والشعب أم أنها كما بات يتصور الكثير جدًا من المصريين أن لهم أجندتهم الخاصة والتى هى ليست أجندة الرئيس؟ غير أن الخطير هو أن المجموعات "المتنفذة" والتى يبدو أنها تفتقر إلى أى رؤية سياسية ستدخل البلاد فى نفق لا يعلم نهايته إلا الله والأمل.. كل الأمل أن يتخذ الرئيس الإجراءات الواجبة فى مواجهة هؤلاء.
لن يجدى نفعا أن تخرج الصحف القومية لتؤكد أن زيادة الأسعار لن تمس محدودى الدخل لأن محدودى الدخل هم الأكثر صدقا وقدرة على التعبير عما يعانونه وما زادته الأسعار الجديدة على كاهلهم من أعباء وإرباك حياتهم إلى حد أن الركاب يعتدون على السائقين أو أصحاب وسائل النقل الخاصة مثل الميكروباص والتاكسى والتوك توك لأنهم فرضوا - أو حاولوا فرض - زيادة على أسعار تذاكر الانتقال، ولا أعرف هل "التزمت" الحكومة بوعد عدم زيادة أسعار المواصلات فيما يتعلق بالمترو وأوتوبيسات النقل العام أم لا، خاصة أنها بدأت تحاسب المزارعين على تكاليف نقل محاصيلهم أو خدماتهم بالأسعار الجديدة؟! الأسوأ والأشد إيلامًا أن المجموعات المتنفذة نفسها التى حققت ثراء طائلاً فى السنوات الأخيرة تريد منا أن نتغنى بإنجازاتها؟ ولا تسمعنا عندما نسألها عن أى إنجازات تتحدث..
هل تقصد الإنجازات الذاتية ومدى تكوين الثروات أم المصاعب التى نعيشها نحن منذ أن نفتح أعيننا وحتى نغمضها قبل نوم تتخلله كوابيس عديدة من بينها أننا لن نعود أبدًا للماضى حيث كنا نجرى بحثا عن دجاجة بثمن رخيص وأننا سنظل فى الحاضر حيث نموت فى طوابير الخبز.. علمًا بأن "الدعم" تأخذه الحكومة من ثمن بيع ممتلكات الناس سواء بتسميات الخصخصة أو تدوير الأصول أو بيع الأراضى أو أى شىء على وجه أرض المحروسة كان قائمًا قبل تشريفهم، ويبدو أنهم وجدوا أنه خسارة فينا!! والسؤال الذى لا مفر منه: ماذا بعد بيع كل شىء ممكن؟