(لكل فعل رد فعل .. مساو له فى المقدار.. إلخ) , نظرية معطلة فى مصر مثل نظريات أخرى, أزعم دائما أن الأحداث تموت وتبقى روح الحدث. ما جعلنى أقول ذلك هو ضجيج " أجريوم" الآن, وبعيدا عن لوثة بيئة دمياط والنصب على نيلها الذى أصبح بيئة خصبة لمرض الفشل الكلوى , وبعيدا أيضا عن سرقة الغاز والعمولات التى كتب عنها فى كثير من الصحف, قلت سلفا الأحداث تموت مثل البشر.
حدث وسافرت إلى دمياط لزيارة الأسرة كالعادة , ولكن الوضع مختلف هناك هذه المرة, البيوت كلها على طول كورنيش دمياط وشوارعها المهمة وغير المهمة علقت "يافطات" سوداء ضد المصنع وبعبارات تحريضية صريحة " لا لمصنع الموت", معظم السيارات الملاكى والأجرة لصقت على زجاجها نفس العبارات, حتى الأطفال علقوا بأنوفهم " مشابك ملابس"، وأحزاب وقوى شعبية تفننت فى تقديم ما هو أبعد من الحدث.. إنها (ثقافة الاحتجاج), وبناء عليه عقدت مؤتمرات فى نقابة المحامين ونادى الحكمة وفى مقرات الأحزاب شارك فيها أساتذة من كلية العلوم وسياسيون ومواطنون وخرجت تظاهرة كبيرة شارك فيها أبناء دمياط على شكل سلسلة بشرية تمتد لمسافة 5 كم.
"الكل فيكى يا دمياط مشغول بالمصنع", حتى أن رجلا طرد ابنه من البيت لأنه قابل أحد مسئولى المصنع للعمل به هو وزملاؤه, وذلك - طبعا- بمرتب سمعت أنه يفوق3000 جنيه وبسيارة تحت أمر سيادته. دمياط صنعت الروح وهو ما التفتُ إليه , تظاهرت واحتجت بشكل شعبى رائع, ولأنها تظاهرت واحتجت وحملت نعوشا رمزية لمدنها الكبرى ! وصمم أهلها "دُمى" لمسئولى "أجريوم" وحرقوها .إنه تاريخ الدمايطة، يعيد نفسه، عندما حرقوا دمية " اللنبي" إحياء لذكرى رفض المستعمر البريطاني. قلتُ فيما سلف ليست العبرة بالأحداث , تشكلت بالفعل روح احتجاجية غير مسبوقة فى مصر, وصداها سيظل يعمم كلما مررنا بضائقة مماثلة .
تعقيبا لما هو قادم..
لو حدث وأنشئ بالفعل مصنع "أجريوم" , سيموت شعب دمياط بالسكتة القلبية قبل فتك الأمراض، لأن احتجاجهم وخوفهم لا قيمة لهما , وأتصور أن على الحكومة- من الآن- توفير وحدات "غسيل كلوى" لاستقبال حالات ستزيد فى أكبر بيئة مناسبة لازدهار المرض اللعين , ولن تصلح رأس البر مصيفا ولا مشتى، وسيسقط صيادو عزبة البرج وعليهم "فك" سفنهم وتكهينها وبيعها.
المشكلة مشكلتان.. وفى الجعبة ما يكفى لعقد أخوة مع المرض , فأجريوم ثم "موبكو" الذى تم تجريبه منذ أيام , وما سمعه الأهالى الذين يبعدون حوالى 2 كم عن مصنع " موبكو" من أصوات وتصاعد أبخرة أضرت بصدور أطفالهم الرهيفة. كل ما سلف لا يهم, المهم كما قلت هو الروح, وليتها لا تموت.