كل القراءات العربية لخطاب بوش أمام الكنيست الإسرائيلى ، رأت فيه خطابا فجا، يفتقد إلى الكياسة والحيادية والمصداقية ، وإلى الحد الأدنى من اللغة الدبلوماسية، بل إن البعض تمادى فى انتقاد الخطاب إلى حد وصفه بأنه مكتوب بلغة "وقحة"، على حد وصف حركة المقاومة الإسلامية حماس ..وحتى الرئيس الفلسطينى خرج عن صمته وانتقد الخطاب ووصفه بأنه كان مخيبا للآمال .
أنا غير كل هؤلاء ، أنظر إلى الخطاب ، الذى ألقاه بوش أمام الكنيست الإسرائيلى ، ابتهاجا واحتفالا بالعيد الستين لإنشاء الدولة العبرية ، نظرة إيجابية .بل ولا أخفى سعادتى بمضمون هذا الخطاب الذى وضع النقاط على الحروف .
ففى هذا الخطاب قدم بوش نفسه ، وفيما يفكر، وكيف ينظر للعرب وقادتهم، ولمعادلة الصراع فى منطقة الشرق الأوسط على طبق من فضة بدون " كلام مزوق " وبدون الكلام الدبلومامسى " اللى لايودى ولايجيب " قالها بوش بكل صراحة وبدون مواربة إنه مع أمن إسرائيل ومع ضمان بقائها وامتدادها وتمددها، ومع كل شىء يكفل لها هذا الأمن ، وهو والولايات المتحدة الأمريكية ضد أى شىء ينال من هذه المكانة ..وقال إنه سيأتى اليوم الذى تحتفل به إسرائيل بالعيد المائة والعشرين وقد زال أعداؤها، وإنه عندما تدخل إسرائيل فى حرب مع الإرهاب _ وكل أعداء إسرائيل وفقا للنظرة الأمريكية يقفون فى معسكرالإرهاب _ سوف يكون تعداد سكان إسرائيل ليس عدة ملايين كما هو الآن، ولكن سيكون فوقه تعداد سكان أمريكا الذى يتجاوز الثلاثمائة ملايين نسمة .. هذه خلاصة ماقال وما عدا ذلك تحصيل حاصل، فهل هناك أوضح من تلك اللغة ؟!
ولم يكلف الرئيس بوش نفسه عناء أن يدارى سوءة النظم العربية التى يسميها البعض بالنظم العربية المعتدلة ، أو النظم العربية الصديقة لأمريكا فى رواية أخرى ، ويقول لهم كلمة " تجبر بخاطرهم " أو على الأقل تحفظ ماء وجوههم أمام شعوبهم .
لماذا إذن هذه النظرة السلبية لخطاب الرئيس بوش، وقد أتاح لنا معرفة آخر ما يمكن أن يقدمه لنا فى ملف " الصراع العربى الإسرائيلى ،الذى ومنذ أن دخل البيت الأبيض قبل نحو 8 سنوات وهو يدعى أنه جاء مرسلا من قبل العناية الإلهية لكى يقضى على عذابات الإسرائيليين وجيرانهم من الفلسطينيين ، فاذا بالأيام والشهور تمضى، وهاهى فترة رئاسته الثانية ستنتهى وهو لم يفعل شيئا سوى كلام فى كلام كان يضحك به على رؤساء الدول الصديقة فى المنطقة ، وهولاء كانوا يمارسون نفس اللعبة مع شعوبهم ، حتى أصبح لدينا عددا من من مبادرات وخطط السلام التى قد لايستطيع إحصاءها أفضل وزير خارجية أو أستاذ علوم سياسية ، وحتى أصبحت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس ، ضيف دائم على المنطقة ، تلوح بذهب المعز تارة وبسيفه مرات أخرى .
أعتقد أن الوضع يجب أن يختلف الآن ، سواء على مستوى العلاقات العربية _ الأمريكية من جهة ، أو مستوى العلاقات العربية الإسرائيلية من جهة أخرى ، وسوف يؤرخ الباحثون والمحللون إلى هذا الخطاب الذى امتلأ بأدفأ العبارات التى يمكن أن يبثها رئيس دولة إلى دولة أخرى. وسوف يقولون إن هذه الواقعة أوتلك حدثت قبل أو بعد خطاب بوش فى الكنيست الإسرائيلى، بعد أن تجلى فيه تجاوز الدور الذى فرضته أمريكا على نفسها بأن تكون راعية لمفاوضات سلام بين كيانين ، أحدهما ابتلع الآخر ، ليس هذا فحسب بل إن الراعى جاء لكى يحتفل بذكرى هذا الاغتصاب ، ويؤكد أنه مع كل السياسات التى تدعم استمرار هذا الابتلاع ، ومن يطالب بحقه فهو إرهابى ، ومن يقف أمام إسرائيل هو إرهابى يجب محاصرته ورميه بكل الموبقات، وكل ذلك سيتم بغطاء من الشرعية الدولية .
لماذا نطلب من بوش أن يستمر فى خداعنا والرجل ابن بيئته التى يقول فيها الطبيب الأمريكى لمريضه وبدون لف أو دوران : أنت مريض بالسرطان ، وحالتك ميئوس منها ، وكلها مسألة أيام وتموت ، استغلها فى توديع أهلك وأصحابك ، وفى ترتيبات جنازتك !!
شكرا سيدى الرئيس بوش على صراحتك ، ولاعزاء لكل المخدوعين ، والمخادعين .