فئات كثيرة من المجتمع تشكو الغبن وغياب تكافؤ الفرص، وهى حالة آخذة فى الازدياد طالما أن الظروف الاقتصادية تزداد صعوبة، والمحسوبية تتعمق كل يوم وعلامات التعصب الدينى والمذهبى والثقافى والريفى لا تزال حاضرة فى الجسد المصرى. فى مثل هذه الأجواء فإن أية مبادرات من شأنها الاحتكام إلى المنافسة المفتوحة دون ضوابط لا تعنى سوى مزيد من غياب العدالة.
مكتب التنسيق هو إحدى علامات المساواة فى المجتمع المصرى. لم تعد شهادة الثانوية العامة تعبر عن المساواة المطلقة، نظراً لغياب تكافؤ الفرص بين التعليم المتميز والتعليم المتعرج، والطلاب الذين بمقدورهم الحصول على دروس خصوصية فى كل المواد تقريباً، والطلاب الذين ليس بمقدورهم شراء الكتب الخارجية، ويعتمدون على الكتب المدرسية ودروس التقوية فى المساجد والكنائس، وربما الدرس التليفزيونى على أكثر تقدير. الفرص ليست متساوية، ولكن الكل سواء أمام المصحح، رغم ما نسمعه عن مظاهر للإهمال وغياب التدقيق فى تصحيح أوراق الإجابة فى امتحانات الثانوية العامة، ولكن المساواة فى الظلم عدل كما يقولون. أما أن يصل الأمر إلى إلغاء مكتب التنسيق، فلن يكون هناك عدل، ولن تكون هناك أهمية للثانوية العامة من الأساس.
إلغاء مكتب التنسيق فى الالتحاق بالجامعات، والركون إلى ما يعرف باختبارات القبول يعنى باختصار فتح باب جديد للفساد والمحسوبية والطائفية.
من ناحية أولى سوف يجد أبناء الطبقة المترفة مجالاً لشراء الشهادات الجامعية من خلال الالتحاق بكليات القمة عن طريق الرشوة. وبدلاً من الذهاب إلى جامعة خاصة، يظل اسمها خاصة رغم الشهادة، يمكن الالتحاق- إذا ما ألغى مكتب التنسيق- بأية كلية طالما أن الموضوع اختبارات، ولجان ومقابلات شفهية وظروف متخمة بالفلوس وجلسات على المقاهى وخلافه. هذا الكلام ليس من عندى فقد أعلن مسبقاً وزير التنمية الإدارية أن الغالبية العظمى من موظفى الحكومة يتقاضون رشاوى، فهل سيحكم مكتب التنسيق ملائكة؟. لا تستغرب عندما تجد طالباً متفوقاً يعجز عن دخول كلية بعينها، وآخر فاشلاً يلتحق بها. والسبب المقابلة الشفهية واختبار القدرات.
من ناحية ثانية سوف يجد موظفو الأجهزة السيادية والتابعون لهم، والمؤتمرون بأوامرهم وأبناء العمد والمشايخ، والمتنفذون فى الدولة المصرية فرصة تاريخية لإلحاق من يريدون بالكليات التى يرغبون فيها. لم يعد لمجموع الدرجات فى الثانوية العامة قيمة، طالما أن كل شىء يقيد فى دفتر والدفاتر فى أيدى موظفى الحكومة. وتبعاً لذلك سوف يتعرض أبناء المعارضين والطلاب أصحاب التوجهات السياسية مثل الإخوان المسلمين والشيوعيين إلى إقصاء منظم من الالتحاق ببعض الكليات. وقد نرى يوما وضعا من قبيل "حالة الأمن لا تسمح" و"اعتراض أمنى" على الالتحاق بالكليات مثلما يحدث فى حالة شغل بعض الوظائف، وربما يتحول أمر التحاق طلاب بعينهم إلى قرارات أمنية.
ومن ناحية ثالثة فإن الطائفية سوف تنتعش فى المقابلات الشفهية واختبارات القبول بالكليات. فى مجتمع لا يزال يعانى من التعصب، لا تستغرب لو وجدت الأقباط- بعد إلغاء مكتب التنسيق- أصيبوا جميعاً بغباء مفاجئ، بحيث يلتحق القليل منهم بكليات القمة، وربما قد نعرف ظاهرة النسبة العددية الثابتة للأقباط فى كليات الطب والصيدلة والهندسة.
خلاصة الأمر أن إلغاء مكتب التنسيق كارثة على كل شخص مهمش وفقير ومختلف دينياً أو سياسياً فى هذا المجتمع. سوف يعاقب طلاب ليس لسبب إلا لانتماء والديهم السياسى أو الدينى أو الاجتماعى. وتصبح الجامعات انعكاساً لحالة من الأرستقراطية المريضة، والاسم أن "التعليم بالمجان".
فى هذا البلد الذى يتنفس فساداً ومحسوبية وطائفية، لا معنى للتنافس الحر لأنه لا يوجد تنافس حر فى انتخابات أو اقتصاد، ولن يكون فى التعليم. من هنا فإن من يسعون إلى إلغاء مكتب التنسيق، وهذه ليست المرة الأولى التى نسمع فيها هذا الكلام، هم حريصون على إزالة إحدى علامات المساواة فى المجتمع المصرى. وهم يتنصلون ليس فقط لوطنهم ولكن أيضاً لتاريخهم، لأنهم لولا التعليم بالمجان وتكافؤ الفرص فى مكتب التنسيق، ما التحق أى منهم بالكلية التى تخرج فيها، ولا صار من علية القوم، وجزءاً من النخبة الحاكمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة