لا أقصد حسناوات لبنان فقط، ولا لهجتهن البيروتية ذات الاستدارات والطراوة والموسيقى، فعناصر الجمال اللبنانى كثيرة متعددة، أهمها القدرة الهائلة على التكيف والإصرار على الحياة وسرعة التئام الجروح الاجتماعية والسياسية، والانطلاق من اللحظة الراهنة إلى المستقبل الرحب، ربما يعود ذلك لأجدادهم الفينيقيين التجار سادة البحر المتوسط.
التجار البحارة الفينيقيون مخترعو الأبجدية وأحفادهم من اللبنانيين أيقنوا أن "الدنيا فانية" كما نقول فى مصر، وأن "العمر لحظة" كما نقول أيضاً، لكنهم لا يكتفون بالقول بل يمارسون ذلك فى حياتهم بالحياة إلى أقصى مدى وتحت كل الظروف حسب قانون التجارة وقوانين البحارة معاً، ربما لذلك كانوا الأقدر على نقل الثقافة والفنون والموضات من أوروبا إلى سائر البلاد العربية، موضات أو"صرعات " تبدأ من قصات الشعر وحتى فورم الشعر، فى السياسة والثقافة والأعراف الاجتماعية، جسور تربط بين باريس وبيروت أسرع مما تربط بين بيروت ودمشق أو بيروت والقاهرة، لكننا فى دمشق والقاهرة نتوق دائماً أن نكون بخفة اللبنانيين وقدرتهم على العبور السريع بين الثقافات والموضات، من هذه الموضات ما عُرف باسم تليفزيون الواقع ونموذجه الأشهر برنامج ستار أكاديمى الذى قدمته قناة L.B.C. منذ خمس سنوات ومازالت تقدمه.
فى برنامج ستار أكاديمى هذا العام انسحب "عبدالله" السعودى بعد علمه أن "قويدر" الأردنى - ولأسباب غير معلومة - سيفوز بهذه الدورة من البرنامج، رفض الأول أن يقوم بدور فى تمرير تمثيلية التصويت وشرعنة فوز غريمه الأردني، مما أعاد إلى الأذهان، ولو بصورة رمزية، الخلاف القديم بين آل سعود والهاشميين والذى أسفر عن انسحاب الهاشميين من الجزيرة العربية إلى الأردن والعراق، لتصبح مكة والحجاز ونجد "المملكة العربية السعودية".
هذه المرة وعبر برنامج ستار أكاديمى وتليفزيون الواقع اللبنانى انسحب ابن الجزيرة وهو يحمل علم آل سعود من أمام ابن الأردن الذى يحمل علم الهاشميين. ما بين الإعلام والسياسة ومن خلال التعددية اللبنانية الفريدة – أحد عناصر الجمال اللبنانى – أصبحت بيروت ميداناً للصراعات الثقافية والسياسية العربية، وميداناً للمبارزة وتصفية الحسابات، وحديقة خلفية للبيت العربى المأزوم بمشكلاته وأنظمته المرتبكة وشعوبه المقهورة وملعباً للمخابرات الدولية والإقليمية والعربية، والقاسم المشترك بين كل ذلك هو خفة اللبنانيين (كتير مهضومين) وقدرتهم، الموروثة من أجدادهم الفينيقيين على التكيف مع العواصف والأنواء.
ومثلما أصبحت بيروت ميداناً لتصفية الحسابات الإقليمية والحروب المحسوبة بين القوى المتصارعة أصبح لبنان كله مسلسلاً ممتداً ينتمى لتليفزيون الواقع يمثل فيه الفرقاء أدوارهم فى الحقيقة دون أن يمنعهم ذلك من أن يعبروا عن أدوار لممثلين آخرين أو توجهات صانعى البرنامج المشوّق الممتد، وهذا أيضاً من عناصر الجمال اللبناني. لذلك لا تصدقوا تماماً أن حرباً أهلية كادت أن تتكرر فى بيروت أو أن حزب الله هيمن على الجبل أو أن البرلمان اللبنانى معطل أو أن الزعماء "فلـّوا" من لبنان إلى الدوحة أو أن الأزمة قد انفرجت .. ريلاكس، واستمتعوا بتليفزيون الواقع.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة