أدهشنى لدى إقامتى فى الخارج أن أثرياء فرنسا يقيمون دعوات عشاء "فاخرة" تقتصر على صنف فتح شهية ثم طبق رئيسى وآخر من اللحوم أو الأسماك وبعدها يقدم الحلو!.. تذكرت أمى رحمها الله والتى كانت ـ إذا ما دعت أربعة أو خمسة أفراد ـ تجهز وليمة تكفى لخمسين شخصاً على الأقل.
وكانت أمى التى ثبت أنها مواطنة مصرية أصيلة تشبه بقية الأمهات، تعتبر أن كثرة أصناف الطعام وكمياتها على المائدة عنوان الكرم والترحيب بالضيوف حتى لو أعقب ذلك أن تضيق الثلاجة ببقية الطعام وأن تتخلص من كميات الخضار واللحوم التى تبقت فى صحون المعازيم. إنها المظاهر التى نسميها كذلك تأدباً لأنها فى الواقع "فشخرة".
وقد أصبحت "الفشخرة" ضلعاً أساسياً فى كل مناحى حياتنا، فنحن نسرف فى إهدار المياه ولا أقول استهلاكها فقط، ولم يعد أحد ينبه "الست سنية" اللى سايبة المية "ترخ ترخ" من "الحنفية" إلى فداحة ما تقوم به وأثره على بقية المواطنين ومستقبل الأجيال القادمة كما كان يحدث فى الستينيات وكنا نحو عشرين مليوناً فقط أما ونحن نقترب من الثمانين مليوناً فنحن نغسل السيارات بمياه الشرب ولن أتحدث عن ملاعب الجولف ـ لزوم الفشخرةـ ونحن فى اعتقادى البلد الوحيد فى العالم الذى يضيئ مصابيح الطرق نهاراً ـ فى عز الظهر ـ وفى معظم الأحيان يطفئها فى ظلام الليل الدامس... وهذه فشخرة أقرب إلى المسخرة!! ونحن نعلن "احتقارنا" للصناعات الوطنية ونلفت النظر إلى ما نرتديه أو نأكله أو غير ذلك من الأشياء التى نشتريها من الخارج... المستوردة كلمة السر التى تضعك فى مصاف "المحترمين"؟! من الذين يتعاملون مع المستورد فقط لاغير.
نحن ـ كبلد شديد الثراء ـ نترك أكوام القمامة لمن يحرقها ويلوث الهواء وكذلك قش الأرز علماً بأن الدول "الفقيرة" فى أوروبا تجنى ثروات من تدوير القمامة، وتقوم دول آسيا بتصنيع قش الأرز خشباً مفيداً بدلاً من حرقه وإهداره وإهدار صحتنا وإحراقها نتيجة التلوث.
ومن أبرز سيمات الفشخرة فى هذا العصر، الافتخار والتباهى بأنك وأبنائك لا تجيدون اللغة العربية ـ لغة السكان المحليين ـ وتقول بفشخرة فجة "صورى"... "حاول تفهمنى أصلى ما بعرفش عربى كويس".. لكن الإنجليزى لبلب مع الأنجال الذين تكلف أباؤهم مشقة انتقال الأمهات إلى أمريكا لحصولهم على الجنسية الأمريكية التى مجرد حملك لها يعفيك من البحث عن أى أسباب أخرى للفشخرة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة