قال البابا شنودة إنه يرفض الصلح مع العربان الذين اعتدوا على رهبان دير "أبو فانا" بمدينة ملوى بمحافظة المنيا.. وأنا مع البابا!
الصلح خير، لكنه فى مثل هذه الحالة ليس كذلك، و" قعدات العرب" ليست جريمة، ولكن المفروض أن الدولة تطبق القانون على الجناة، وليس دور الوزير المحافظ أن يتحول إلى شيخ عرب، وإلى زعيم قبيلة، لأن الاحتكام إلى المجالس العرفية تعرفه المجتمعات التى لا تشكل دولة، ومصر دولة، وحزبها الحاكم يعلن أنه "ولى أمر" الدولة المدنية، وهذه الدولة تحتكم إلى الدستور وإلى القانون، ومن يخالفهما فالمحاكم القانونية أولى بتأديبه وتهذيبه، وليست محاكم " حقك علينا"، و"هات رأسك أبوسها"!
فى الآونة الأخيرة رعت أجهزة الأمن عملية الصلح بين القبائل، وتحول السادة مديرو الأمن إلى شيوخ قبائل البشتون، وفى الواقع فإنهم بذلك كمن رقصوا على السلالم، فلا هم طبقوا القانون بما يليق بمقام الدولة الحديثة، ولا هم استدعوا كامل طقوس المجتمعات التقليدية التى لا تشكل دولة فى مواجهة الجناة، فمثل هذه المجتمعات تعرف نظام "العقوبات"، والتى تكون سابقة على مشاهد التقبيل. فجماعتنا اكتفوا بالشكل وبهذه المشاهد فقط، الأمر الذى يجعل من مثل هذه "القعدات"، مصالحة تليفزيونية، وما فى القلب فى القلب!
أولو الأمر منا أرادوا أن يجروا صلحاً تليفزيونياً بين الرهبان والعربان، ورفض البابا وطالب بمحاكمة الجناة، لأنه سبق وأن تم إبرام صلح فى السابق بينهما، ولم يمنع من وقوع الأحداث الأخيرة، وأنا مع البابا فى أن مثل هذه "القعدات" تجعل من العربان دولة داخل الدولة. وليس العربان وحدهم هم الذين يشكلون دولة داخل الدولة!
فى وقائع أخرى يستفيد قداسة البابا من هذا السلوك الحكومى، الذى يجعل من بعض طوائف المجتمع المصرى "دولة داخل الدولة"، وليس آخر هذه الوقائع ما جرى فى قضية وفاء قسطنطين، التى أسلمت وتزوجت مسلماً، وقامت الدنيا فى المقر البابوى ولم تقعد، ووقع اعتداء على رجال الأمن. ولم يتم تطبيق القانون على المعتدين، لأن هذا يتنافى وأصول العلاقات الطيبة بين دول الجوار، وتدخلت الدولة بمنطق "شيخ القبيلة"، أو "الدولة الصديقة"، وسلمت وفاء إلى الكنيسة، والتى شكرت أهل الحكم فى دولة مصر الصديقة على نبل أخلاقهم!
يقال إن وفاء عادت إلى المسيحية، وأنها كانت واقعة تحت "سلطان الغرام" عندما أسلمت، وأنها تقوم بالخدمة فى أحد الأديرة الآن، لكن مهما يكن الأمر فإنها لم تكن "مخطوفة"، وهى ليست قاصراً حتى يتم تسليمها لأصحابها، ولو كانت مخطوفة وقاصراً، فإن الكنيسة ليست هى المنوط بها استلامها، ولكن المشكلة فى أن الدولة المصرية عاملت الكنيسة على أنها دولة، وأن قداسة البابا شنودة هو زعيم لدولة صديقة، ولم يعترض أحد على هذه المعاملة، وكان هذا خطأ جعل من طلب أهل الحكم إبرام صلح بين رهبان الدير والعربان، أمراً طبيعياً، وقد اعترض البابا شنودة على " شغل المصاطب" وأنا معه!
أحداث ملوى تتمثل فى قيام العربان بالاعتداء على الدير والتنكيل بعدد من الرهبان، ولم يكن الأمر له علاقة بخانة الديانة، وإنما مرتبطاً بنفوذ العربان فى السيطرة على أراضى الدولة. ومؤخراً وقعت مذبحة فى البحيرة كان أبطالها العربان، والذين لهم علاقة بملفات أراضى الدولة، يعرفون سياسة وضع اليد، ويقفون على نفوذ العربان، الذى يمارسونه على "الجعيص"!
فى نقابة الصحفيين، هناك قضية يتغنى بها الركبان، سمعت عنها منذ أن عملت بمهنة الصحافة قبل أكثر من عشرين سنة، تتمثل فى أرض "بالوظة"، حيث حصلت النقابة على قطع أرض لعدد من الصحفيين بنظام التخصيص من المحافظ المختص، ولأن الأرض فى حوزة العربان، فقد نصحهم المحافظ بالتعامل معهم، ونظام التعامل ليس فيه إلا بند واحد، هو أن يدفع المستفيدون مالاً لهم مقابل أن يقوموا بتسليم الأرض، التى تم تخصيصها من قبل الدولة ممثلة فى المحافظ. وجاء "رهط" من دولة العرب إلى النقابة واستلم ما طلبوه، وتم اكتشاف أن الذين استلموا الثمن ليسوا هم الذين يضعون أيديهم على الأرض، وبعد مفاوضات تشبه مفاوضات طابا جاء "رهط" آخر واستلم ما تم الاتفاق عليه من أموال، واكتشف جماعتنا أنهم وقعوا ضحية لعملية نصب، فلا تزال الأرض حتى الآن تحت سيطرة العربان ولا تستطيع قوة على الأرض أن تطردهم منها!
هم دولة داخل الدولة؟!.. نعم.. لكن ما فعلوه مع رهبان ملوى ليس بدافع طائفى، فلو كان الرهبان شيوخاً لجرى معهم ما جرى مع الرهبان، وينبغى أن يتم القضاء على مظاهر الدول الداخلية، وهذا يستدعى استشعار الدولة المصرية بهيبتها، التى لا تتحسسها إلا فى مواجهة عشرين شخصاً يهتفون ضد الحكومة على سلالم نقابة الصحفيين!
لكن، هل يوافق البابا حقاً على أن يأخذ القانون مجراه فى جميع الأحوال، وأن تتم معاملته على أنه بابا الأقباط الأرثوذكس وليس رئيس دولة المسيحيين الصديقة؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة