أبدأ بأننى من المؤمنين بأن البشر على رأس قائمة الثروات التى تعتز بها البلاد، وتعز بها أبناؤها ولكن، ولنتعمق فى هذه الكلمة ودلالاتها الكبيرة.
يصبح البشر ثروة عندما تكون لديهم القدرة على الإضافة، أى أن يضيفوا هم إلى مجتمعهم لا أن يكونوا إضافة عليه، تزيد من أعبائه وأثقاله ومشاكله المستعصية على الحل، وقد انتشرت فى سبعينيات القرن الماضى أصوات ومنابر وقنوات وموجات، حاصرت المجتمعات العربية والإسلامية لنشر "مفاهيم" لقناعاتهم ومعتقداتهم، وأحياناً لمنطق الأشياء تحت ستار الدين.
فالشيخ أو الداعية وبتواطؤ الحكومات فى أغلب الأحيان يبث أراء تعبر عن رؤيته هو وفهمه هو للدين وجوهره، وهو ما يخالف رؤية وأراء وفهم "مئات !!" الدعاة والشيوخ الذين انتشروا فجأة واحتلوا جميع المنابر.
ومن أخطر دعاوى هؤلاء، أن تنظيم النسل حرام؟! وأن الرزق على الله ولا تهم النوعية وأنت تنجب وعلى الآخرين حكومة أو أهالى تحمل العبء، عبء ملايين الأميين والمشردين فى الشوارع ولا أحد يفهم الدرس أو يأخذ العبرة، وقد هالنى فى الأسبوع الماضى مشاهدة عامل نظافة أنجب ثمانية أبناء وهو يشكو سوء الحال، وطبعاً ضعف المرتب ويردد طوال الوقت "إن ربنا بيرزق"، فى إشارة إلى ما يجود به الآخرون.
وقرأت بعدها عن آخر أنجب ست بنات وهو عامل بناء، وبسبب توقف أعمال البناء فقد أخرج ابنته الكبرى من المدرسة، وهو يريد السفر إلى إسرائيل، وكأن إسرائيل ستقيم الأفراح لمجرد أنه عبر عن تشريفه لها برغبته فى حضنها الدافئ وهو "أمى"، ولذلك لم يقرأ أن إسرائيل دخلت فى عداد أقوى دول العالم، خاصة فى مجال المعرفة وتكنولوجيا المعلومات بعقول من يسكنون فيها وليس "بمن لا يفك الخط" ويواصل الإنجاب فى بلد يسعى فيه أصحاب ـــ حتى أنصاف الكفاءات ـــ إلى الهجرة خارج وطن لم يعد يستمع لمعاناتهم وبات مهدداً بألا يظل فيه إلا أمثال عامل البناء هذا.
وبحسبة بسيطة يتضح أن هذا العامل وعامل النظافة لديهما أربعة عشر ابناً ـــ ما شاء الله ـــ ولا يهم أن يتعلم هؤلاء أو أن يعيشوا بكرامة أو حتى مجرد أن يعيشوا، وأسهل شىء أن نلقى بمسئوليتنا ونقول: "ربنا هو الذى بيرزق"، وهذا أكيد ولكن الله وضع شروطاً للرزق، أهمها العمل والإخلاص فيه وأن تقوم الدولة بواجبها بتعليم الأجيال الحالية وأن تفسر للناس كيف فشلت فى محو أمية ملايين المصريين طوال 50 عاماً.
ويبدو المشهد شديد القتامة، فالناس نتيجة عوامل كثيرة وأهداف أكثر، تنصلت عن مسئوليتها لدرجة أننى أخشى أن يقولوا بعد ذلك، إن الله هو الذى سمح بجرائم القتل والسرقة والنصب التى يرتكبها البشر!.
إن البشر يتحولون إلى ثروة، عندما تكون عقولهم قادرة على التقدم ومواكبة العصر وتكون قلوبهم شاعرة بملايين الأطفال الذين يلقى بهم من أنجبوهم إلى المجهول، وأن هذا المجهول سيجر معه البلاد إلى هاوية لا يعرف قرارها أحد. ولن يجد معها أن ندفن رؤوسنا فى الرمال، فلا نرى أطفال الشوارع بالملايين، يعيشون على أرض مصر ولا يلتفت إليهم أحد .. وويل لنا من يوم ينتقم فيه هؤلاء مما فعلناه بهم.
إننا نعيش أوضاعاً بات من المستحيل معها أن نخرج أمثال فاروق الباز وأحمد زويل ومجدى يعقوب وغيرهم وغيرهم، ألا يستدعى هذا الوضع وقفة من الدولة تحاول فيها التكفير عما ارتكبته بحق هذا الوطن؟ ساعتها فقط سيكون الناس ثروة بشرية!.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة